عمليات التكسير: الأنواع وشرح مسار العمليات | Cracking Processes
تمثل عمليات التكسير (Cracking Processes) حجر الزاوية في صناعة تكرير النفط الحديثة، حيث تعمل كجسر كيميائي وهندسي لتحويل الأجزاء الثقيلة والأقل قيمة من النفط الخام إلى منتجات خفيفة وعالية القيمة مثل البنزين (Gasoline)، وقود الديزل (Diesel Fuel)، ووقود الطائرات (Jet Fuel)، بالإضافة إلى غاز البترول المسال (LPG). بدون هذه العمليات التحويلية، ستكون مصافي النفط غير قادرة على تلبية الطلب العالمي المتزايد على وقود النقل والمواد الأولية للبتروكيماويات، مما يجعلها محدودة بإنتاج ما هو موجود طبيعياً في النفط الخام. تعتمد فكرة التكسير بشكل أساسي على تكسير الروابط الكيميائية في جزيئات الهيدروكربونات الكبيرة والمعقدة، ذات نقاط الغليان المرتفعة، لتكوين جزيئات أصغر وأبسط ذات نقاط غليان منخفضة. يتم تحقيق ذلك من خلال تطبيق الطاقة في شكل حرارة، أو من خلال تسهيل التفاعل باستخدام عوامل حفازة، أو مزيج من الحرارة والضغط العالي في وجود الهيدروجين. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل هندسي وعلمي شامل ومفصل لمختلف أنواع عمليات التكسير، بدءًا من المبادئ الكيميائية الأساسية، مرورًا بأنواعها الرئيسية مثل التكسير الحراري، والتكسير الحفزي، والتكسير الهيدروجيني، مع شرح دقيق لمسار العمليات والمتغيرات التشغيلية لكل نوع، وصولًا إلى كيفية تكامل هذه الوحدات الحيوية داخل مصفاة النفط لتحقيق أقصى استفادة اقتصادية وتشغيلية.
الأساسيات الكيميائية لعمليات التكسير
لفهم كيفية عمل عمليات التكسير المختلفة، من الضروري أولاً استيعاب المبادئ الكيميائية الأساسية التي تحكم تكسير الجزيئات الهيدروكربونية. تعتمد هذه العمليات على تفكيك الروابط الكيميائية المستقرة نسبيًا، وهو ما يتطلب طاقة كبيرة وظروف تشغيل محددة لتوجيه التفاعلات نحو المنتجات المرغوبة. إن التحكم الدقيق في هذه التفاعلات هو ما يميز عملية تكسير عن أخرى ويحدد جودة وكمية المنتجات النهائية.
آلية تكسير الروابط الكيميائية
تتكون الهيدروكربونات الموجودة في النفط الخام بشكل أساسي من ذرات الكربون (C) والهيدروجين (H) مرتبطة ببعضها البعض بروابط تساهمية قوية. الرابطة الأضعف نسبيًا والتي يتم استهدافها بشكل أساسي في عمليات التكسير هي الرابطة بين ذرتي كربون (C-C)، تليها الرابطة بين ذرة كربون وذرة هيدروجين (C-H). تبلغ طاقة الرابطة C-C حوالي 350 كيلوجول/مول، بينما تبلغ طاقة الرابطة C-H حوالي 410 كيلوجول/مول. لتكسير هذه الروابط، يجب تزويد الجزيء بطاقة كافية، تُعرف باسم طاقة التنشيط (Activation Energy)، للتغلب على هذا الحاجز الطاقي. يتم تحقيق ذلك إما عن طريق رفع درجة الحرارة إلى مستويات عالية جدًا (التكسير الحراري) أو عن طريق توفير مسار تفاعل بديل بطاقة تنشيط أقل باستخدام عامل حفاز (التكسير الحفزي).
تتبع عمليات التكسير آليتين رئيسيتين للتفاعل:
-
آلية الجذور الحرة (Free-Radical Mechanism): هذه هي الآلية السائدة في التكسير الحراري. عند درجات الحرارة المرتفعة (أعلى من 450 درجة مئوية)، يحدث انقسام متماثل (Homolytic Cleavage) للرابطة C-C، حيث يحتفظ كل جزء من الجزيء المنكسر بإلكترون واحد من الرابطة الأصلية، مكونًا بذلك جذرين حرين. الجذور الحرة هي أنواع كيميائية نشطة للغاية وغير مستقرة بسبب وجود إلكترون غير مزدوج. تمر آلية الجذور الحرة بثلاث مراحل رئيسية:
- البدء (Initiation): تكسير جزيء هيدروكربوني لتكوين جذرين حرين. $$ R-R' \rightarrow R\cdot + R'\cdot $$
- الانتشار (Propagation): يهاجم الجذر الحر جزيئًا آخر، منتزعًا منه ذرة هيدروجين أو مسببًا تكسير رابطة C-C أخرى، مما ينتج جزيئًا مستقرًا وجذرًا حرًا جديدًا. تستمر هذه السلسلة من التفاعلات. $$ R\cdot + R_1-H \rightarrow R-H + R_1\cdot $$
- الإنهاء (Termination): يتفاعل جذران حران مع بعضهما البعض لتكوين جزيء مستقر، مما يوقف سلسلة التفاعلات. $$ R\cdot + R'\cdot \rightarrow R-R' $$
تؤدي هذه الآلية إلى إنتاج مزيج واسع من المنتجات، بما في ذلك الألكانات والألكينات (الأوليفينات)، ولكنها أقل انتقائية وتنتج كميات كبيرة من المنتجات الخفيفة جدًا (غازات) ومنتجات ثقيلة جدًا (فحم الكوك).
-
آلية الأيون الكربوني (Carbocation Mechanism): هذه هي الآلية السائدة في التكسير الحفزي. تحدث هذه التفاعلات على المواقع الحمضية (Acid Sites) للعامل الحفاز (مثل الزيوليت). بدلاً من الانقسام المتماثل، يحدث انقسام غير متماثل (Heterolytic Cleavage). تبدأ الآلية بتكوين أيون كربوني (Carbocation)، وهو أيون موجب الشحنة يحتوي على ذرة كربون ثلاثية التكافؤ. يمكن أن يتكون الأيون الكربوني الأولي من خلال:
- انتزاع أيون هيدريد ($ H^- $) من جزيء ألكان بواسطة موقع حمضي قوي (Lewis acid site).
- إضافة بروتون ($ H^+ $) من موقع حمضي (Brønsted acid site) إلى جزيء أوليفين موجود في المادة الخام.
بمجرد تكوينه، يكون الأيون الكربوني غير مستقر للغاية ويعيد ترتيب نفسه بسرعة إلى شكل أكثر استقرارًا (ثالثي > ثانوي > أولي) من خلال هجرة الهيدريد أو مجموعات الألكيل. ثم يخضع لتفاعلات تكسير، وتحديدًا تكسير بيتا (Beta-Scission)، حيث تنكسر الرابطة C-C الموجودة في الموضع "بيتا" بالنسبة للكربون المشحون، مما ينتج أوليفين وأيون كربوني جديد أصغر حجمًا. $$ R-CH_2-CH_2^+ \rightarrow R^+ + CH_2=CH_2 $$ هذا الأيون الكربوني الجديد يمكنه بعد ذلك أن يستمر في سلسلة التفاعلات. تتميز هذه الآلية بانتقائية أعلى بكثير لإنتاج البنزين عالي الأوكتان، حيث أن الأيونات الكربونية تفضل تكوين أيزومرات متفرعة ومركبات عطرية، وكلاهما يعزز رقم الأوكتان.
العوامل المؤثرة على تفاعلات التكسير
يتأثر مسار تفاعلات التكسير ومعدلها وتوزيع المنتجات الناتجة بشكل كبير بعدة متغيرات تشغيلية رئيسية:
- درجة الحرارة (Temperature): هي العامل الأكثر تأثيرًا. زيادة درجة الحرارة تزيد من سرعة تفاعلات التكسير بشكل كبير (وفقًا لمعادلة أرهينيوس). في التكسير الحراري، درجات الحرارة المرتفعة جدًا تفضل إنتاج جزيئات صغيرة جدًا مثل الإيثيلين والبروبيلين. في التكسير الحفزي، يتم التحكم في درجة الحرارة بدقة لتحقيق التوازن بين معدل التحويل وتكوين فحم الكوك (Coke)، حيث أن درجات الحرارة العالية جدًا تؤدي إلى "التكسير المفرط" (Overcracking) وإنتاج كميات كبيرة من الغازات الخفيفة وفحم الكوك على حساب البنزين.
- الضغط (Pressure): يؤثر الضغط على مسار التفاعل. في التكسير الحراري، الضغوط المرتفعة تميل إلى تثبيط التكسير وتشجيع تفاعلات البلمرة وتكوين فحم الكوك. لذلك، تُجرى بعض عمليات التكسير الحراري (مثل التكسير بالبخار) عند ضغوط جزئية منخفضة للهيدروكربونات. في المقابل، يُعد الضغط المرتفع جدًا للهيدروجين ضروريًا في التكسير الهيدروجيني لمنع تكوين فحم الكوك، وتعزيز تفاعلات الهدرجة، وحماية العامل الحفاز.
- العامل الحفاز (Catalyst): في عمليات التكسير الحفزي، يلعب العامل الحفاز دورًا محوريًا. فهو لا يسرّع التفاعل فقط، بل يوجهه نحو مسارات محددة لإنتاج منتجات مرغوبة (الانتقائية - Selectivity). تحدد طبيعة المواقع الحمضية للعامل الحفاز (قوتها، تركيزها، توزيعها) وحجم مسامه وشكله نشاطه وانتقائيته وعمره.
- تركيب المادة الخام (Feedstock Composition): تختلف الهيدروكربونات في سهولة تكسيرها. البارافينات (الألكانات) هي الأسهل في التكسير، تليها النافثينات (الألكانات الحلقية)، ثم المركبات العطرية (Aromatics) التي تكون حلقاتها مستقرة جدًا وصعبة التكسير. المواد الخام التي تحتوي على نسبة عالية من البارافينات تنتج عائدًا أعلى من البنزين والأوليفينات. كما أن وجود الشوائب مثل الكبريت والنيتروجين والمعادن (النيكل، الفاناديوم) في المادة الخام يمكن أن يؤثر سلبًا على أداء العامل الحفاز (تسمم العامل الحفاز - Catalyst Poisoning).
- زمن المكوث (Residence Time): هو مقدار الوقت الذي تقضيه المادة الخام في منطقة التفاعل (المفاعل). زمن المكوث الأطول يؤدي عمومًا إلى درجة تحويل أعلى، ولكنه يزيد أيضًا من احتمالية حدوث تفاعلات ثانوية غير مرغوب فيها، مثل التكسير المفرط وتكوين فحم الكوك. في عمليات مثل التكسير الحفزي المائع (FCC)، يكون زمن المكوث قصيرًا جدًا (بضع ثوانٍ) لتحقيق أقصى عائد من البنزين.
التكسير الحراري (Thermal Cracking)
يمثل التكسير الحراري أقدم أشكال عمليات التكسير وأبسطها من حيث المفهوم الكيميائي. يعتمد هذا النوع من العمليات بشكل حصري على استخدام درجات حرارة مرتفعة وضغوط متفاوتة لتكسير جزيئات الهيدروكربونات الكبيرة إلى جزيئات أصغر، دون الحاجة إلى عامل حفاز. على الرغم من أن العديد من تطبيقاته القديمة قد تم استبدالها بعمليات حفزية أكثر كفاءة وانتقائية، إلا أن التكسير الحراري لا يزال يلعب أدوارًا حيوية ومتخصصة في مصافي النفط ومجمعات البتروكيماويات الحديثة.
المبادئ التشغيلية للتكسير الحراري
المبدأ الأساسي للتكسير الحراري هو توفير طاقة حرارية كافية لجزيئات الهيدروكربون لتتجاوز طاقة تنشيط تفكك الروابط C-C و C-H. تتم العملية عادةً في أفران (Furnaces) مصممة خصيصًا لتسخين المادة الخام بسرعة إلى درجات حرارة تتراوح بين 450 درجة مئوية و 900 درجة مئوية، اعتمادًا على العملية المحددة ونوع المادة الخام والمنتجات المستهدفة. كما ذكرنا سابقًا، الآلية الكيميائية السائدة هي آلية الجذور الحرة، وهي بطبيعتها أقل انتقائية من الآلية الأيونية في التكسير الحفزي. نتيجة لذلك، ينتج التكسير الحراري مزيجًا واسعًا من المنتجات، بما في ذلك الغازات الخفيفة (مثل الميثان والإيثان)، والأوليفينات (الإيثيلين والبروبيلين)، والبنزين (بجودة منخفضة ورقم أوكتان متواضع)، والزيوت الثقيلة (مثل زيت الغاز الحراري)، ومادة صلبة غنية بالكربون تسمى فحم الكوك (Petroleum Coke). يتم التحكم في توزيع هذه المنتجات بشكل أساسي من خلال التحكم في درجة الحرارة والضغط وزمن المكوث.
أنواع عمليات التكسير الحراري
تتنوع عمليات التكسير الحراري بناءً على ظروف التشغيل والهدف من العملية. فيما يلي أبرز الأنواع المستخدمة في الصناعة:
التكسير بالبخار (Steam Cracking)
تُعد عملية التكسير بالبخار العملية الأساسية في صناعة البتروكيماويات، حيث أن هدفها الرئيسي ليس إنتاج وقود، بل إنتاج الأوليفينات الخفيفة (Light Olefins) مثل الإيثيلين (Ethylene) والبروبيلين (Propylene)، والتي تعتبر اللبنات الأساسية لإنتاج البلاستيك (مثل البولي إيثيلين والبولي بروبيلين) والعديد من المواد الكيميائية الأخرى.
مسار العملية:
- التغذية والتسخين: يتم تغذية مواد هيدروكربونية خفيفة (مثل الإيثان، البروبان، النافثا، أو زيت الغاز) إلى أنابيب ملفوفة داخل فرن ضخم (Pyrolysis Furnace).
- الحقن بالبخار: يتم خلط المادة الخام مع بخار الماء المحمص (Superheated Steam) قبل دخولها إلى منطقة التكسير في الفرن. يلعب البخار عدة أدوار حيوية: فهو يقلل الضغط الجزئي للهيدروكربونات، مما يثبط التفاعلات الثانوية التي تؤدي إلى تكوين فحم الكوك، ويقلل من زمن المكوث، ويحسن من انتقال الحرارة.
- التكسير في الفرن: يتم تسخين خليط الهيدروكربون والبخار بسرعة إلى درجات حرارة عالية جدًا تتراوح بين 800-900 درجة مئوية. زمن المكوث داخل منطقة التفاعل قصير للغاية، يتراوح من أجزاء من الثانية إلى بضع ثوانٍ (milliseconds to seconds). هذه الظروف القاسية (حرارة عالية، زمن مكوث قصير) تفضل تكسير الروابط C-C وتكوين الأوليفينات.
- التبريد السريع (Quenching): بمجرد خروج الغازات الساخنة من الفرن، يتم تبريدها بسرعة فائقة في مبادلات حرارية خاصة (Transfer Line Exchangers - TLEs). هذا التبريد الفوري "يجمد" التفاعلات ويمنع استمرارها، مما يحافظ على الأوليفينات عالية القيمة التي تم تكوينها ويمنع تحللها. الحرارة المستعادة من هذه المبادلات تُستخدم لتوليد بخار عالي الضغط، مما يحسن كفاءة الطاقة للعملية بشكل كبير.
- الضغط والفصل: يتم ضغط الغازات الناتجة وتبريدها ثم إرسالها إلى سلسلة معقدة من أبراج التقطير عند درجات حرارة منخفضة جدًا (Cryogenic Distillation) لفصل المكونات المختلفة بناءً على نقاط غليانها، مثل الهيدروجين، الميثان، الإيثيلين، الإيثان، البروبيلين، البروبان، وهكذا.
التكسير باللزوجة (Visbreaking)
هي عملية تكسير حراري معتدلة (Mild Thermal Cracking) تُطبق على المقطرات الثقيلة المتبقية من برج التقطير الفراغي (Vacuum Residue). الهدف الرئيسي من هذه العملية ليس إنتاج البنزين، بل تقليل لزوجة (Viscosity Reduction) المادة الخام الثقيلة. المنتج الرئيسي، وهو زيت الوقود منخفض اللزوجة، يمكن بعد ذلك مزجه مع مقطرات أخف لإنتاج زيت وقود تجاري (Fuel Oil) يفي بمواصفات اللزوجة المطلوبة، مما يقلل من الحاجة إلى استخدام مقطرات خفيفة باهظة الثمن (Cutter Stock) لهذا الغرض.
مسار العملية:
هناك نوعان رئيسيان من وحدات التكسير باللزوجة:
- التكسير في الملف (Coil Cracking): يتم تسخين المادة الخام في فرن إلى درجة حرارة تتراوح بين 470-500 درجة مئوية. يحدث التكسير بشكل أساسي داخل أنابيب الفرن. يتم بعد ذلك تبريد المنتج بسرعة لمنع المزيد من التكسير وإرساله إلى برج تجزئة (Fractionator) لفصل الغازات والنافثا وزيت الغاز عن المنتج الرئيسي وهو المتبقي منخفض اللزوجة.
- التكسير في وعاء النقع (Soaker Cracking): في هذا التصميم، يتم تسخين المادة الخام إلى درجة حرارة أقل قليلاً في الفرن، ثم يتم إرسالها إلى وعاء كبير معزول حرارياً يسمى "وعاء النقع" (Soaker Drum). يُحتفظ بالمنتج في هذا الوعاء لزمن مكوث أطول، حيث تستمر تفاعلات التكسير عند درجة حرارة أقل. يسمح هذا التصميم بتشغيل الفرن عند درجة حرارة أقل، مما يقلل من استهلاك الوقود ويطيل عمر أنابيب الفرن، على الرغم من أنه يتطلب استثمارًا رأسماليًا أعلى.
عملية التفحيم (Coking)
تعتبر عملية التفحيم من أقسى أشكال عمليات التكسير الحراري، وهي مصممة لمعالجة أثقل المواد المتبقية في المصفاة وأقلها قيمة (مثل المتبقي الفراغي، الزفت)، والتي لا يمكن معالجتها اقتصاديًا في وحدات أخرى. الهدف هو تحويل هذه المواد بشكل شبه كامل إلى منتجات أخف وأكثر قيمة (غازات، نافثا، زيت غاز)، مع إنتاج منتج ثانوي صلب وهو فحم الكوك البترولي (Petroleum Coke).
أنواع عمليات التفحيم:
-
التفحيم المؤجل (Delayed Coking): هي العملية الأكثر شيوعًا. يتكون مسار العملية من فرن وأسطوانتين كبيرتين على الأقل (Coke Drums).
مسار العملية:
- يتم تسخين المادة الخام بسرعة في فرن إلى حوالي 480-500 درجة مئوية. يتم التحكم في ظروف الفرن لمنع حدوث تكسير كبير أو تكوين فحم الكوك داخل أنابيب الفرن.
- يتم إرسال المادة الخام الساخنة إلى قاع إحدى أسطوانات فحم الكوك. هذه الأسطوانات عبارة عن أوعية ضخمة فارغة.
- بسبب زمن المكوث الطويل (مؤجل) عند درجة حرارة عالية، تتكسر الهيدروكربونات الثقيلة. تتبخر المنتجات الخفيفة وتصعد إلى أعلى الأسطوانة، بينما تتجمع المواد الثقيلة وتتصلب لتشكل فحم الكوك الذي يملأ الأسطوانة تدريجيًا.
- تخرج الأبخرة من أعلى الأسطوانة وتذهب إلى برج تجزئة لفصلها إلى غازات، وبنزين، وزيوت غاز.
- تعمل الأسطوانات بشكل متناوب (Swing Operation). بينما تمتلئ إحدى الأسطوانات بفحم الكوك، يتم تحويل تدفق المادة الخام إلى الأسطوانة الأخرى الفارغة.
- تخضع الأسطوانة الممتلئة لدورة تبريد وإزالة الفحم: أولاً يتم إدخال البخار لإزالة الهيدروكربونات المتبقية، ثم يتم تبريدها بالماء. أخيرًا، يتم قطع فحم الكوك الصلب باستخدام نفاثات مياه عالية الضغط (Hydraulic Decoking) وإزالته من قاع الأسطوانة.
-
التفحيم المائع (Fluid Coking): تستخدم هذه العملية مفاعلاً ذا طبقة مميعة (Fluidized Bed) من جزيئات فحم الكوك الساخنة. يتم رش المادة الخام الثقيلة على هذه الجزيئات، حيث تتكسر وتغطي الجزيئات بطبقة جديدة من فحم الكوك. يتم تدوير فحم الكوك بشكل مستمر بين المفاعل (Reactor) والموقد (Burner). في الموقد، يتم حرق جزء من فحم الكوك لتوفير الحرارة اللازمة للعملية. هذه العملية مستمرة وتوفر انتقالًا أفضل للحرارة مقارنة بالتفحيم المؤجل. هناك نسخة متقدمة تسمى Flexicoking تدمج وحدة تغويز (Gasifier) لتحويل معظم فحم الكوك المنتج إلى غاز صناعي (Syngas) منخفض السعرات الحرارية، مما يقلل من إنتاج فحم الكوك كمنتج نهائي.
التكسير الحفزي (Catalytic Cracking)
يمثل التكسير الحفزي، وتحديدًا التكسير الحفزي المائع (Fluid Catalytic Cracking - FCC)، قلب مصفاة التكرير الحديثة والعملية الأكثر أهمية لإنتاج البنزين عالي الأوكتان. على عكس التكسير الحراري الذي يعتمد فقط على الحرارة، يستخدم هذا النوع من عمليات التكسير عاملًا حفازًا صلبًا لتسهيل تكسير الهيدروكربونات عند درجات حرارة أقل وبانتقائية أعلى بكثير. هذا التحول من آلية الجذور الحرة إلى آلية الأيون الكربوني التي يفرضها العامل الحفاز هو ما يسمح بإنتاج كميات هائلة من مكونات البنزين المرغوبة.
الدور الأساسي للعوامل الحفازة
العامل الحفاز هو مادة تزيد من سرعة التفاعل الكيميائي دون أن تُستهلك فيه. في التكسير الحفزي، يوفر العامل الحفاز مسارًا بديلاً للتفاعل بطاقة تنشيط أقل. يتكون العامل الحفاز النموذجي لوحدة FCC من عدة مكونات، لكل منها وظيفة محددة:
- الزيوليت (Zeolite): هو المكون النشط الرئيسي. الزيوليتات هي مواد بلورية من الألومينوسيليكات ذات بنية مسامية دقيقة ومنتظمة (Microporous). هذه البنية تحتوي على مواقع حمضية قوية من نوع برونستد (Brønsted acid sites)، وهي المسؤولة عن بدء تفاعلات الأيون الكربوني. حجم وشكل مسام الزيوليت (مثل زيوليت Y فائق الاستقرار - USY) يفرضان انتقائية شكلية (Shape Selectivity)، حيث يسمحان فقط للجزيئات ذات الحجم المناسب بالدخول والتفاعل، مما يؤثر على توزيع المنتجات.
- المصفوفة (Matrix): يتم دمج بلورات الزيوليت الدقيقة في مادة رابطة غير متبلورة (Amorphous) تسمى المصفوفة، وعادة ما تكون من السيليكا-ألومينا. تؤدي المصفوفة عدة وظائف: فهي توفر مواقع حمضية خاصة بها لتكسير الجزيئات الكبيرة جدًا التي لا تستطيع الدخول إلى مسام الزيوليت، وتعمل كـ "مصيدة" للمعادن الملوثة (مثل النيكل والفاناديوم) الموجودة في المادة الخام لحماية الزيوليت، وتوفر القوة الميكانيكية لمقاومة التآكل في النظام المائع، وتساعد في تبديد الحرارة.
- الحشو (Filler): مادة خاملة، مثل طين الكاولين، تُضاف لتقليل التكلفة وتوفير الكثافة المناسبة للعامل الحفاز.
- المواد المضافة (Additives): يمكن إضافة كميات صغيرة من مواد أخرى لتحسين أداء معين، مثل إضافات ZSM-5 لزيادة إنتاج الأوليفينات، أو إضافات احتراق CO لضمان الاحتراق الكامل لأول أكسيد الكربون إلى ثاني أكسيد الكربون في المجدد (Regenerator).
أثناء التفاعل، يترسب فحم الكوك على سطح العامل الحفاز، مما يغطي المواقع النشطة ويقلل من فعاليته تدريجيًا. لذلك، يجب تجديد (Regeneration) العامل الحفاز بشكل مستمر عن طريق حرق فحم الكوك في وعاء منفصل، وهذا هو أساس التصميم المستمر لوحدات FCC.
التكسير الحفزي المائع (Fluid Catalytic Cracking - FCC)
وحدة FCC هي نظام متكامل ومعقد مصمم لتدوير كميات هائلة من العامل الحفاز المسحوق (بحجم جسيمات يشبه الدقيق) بين مفاعل ومجدد. يتصرف هذا المسحوق الصلب كـ "سائل" عند تهويته بالغاز أو البخار، مما يسمح بنقله بسهولة عبر الأنابيب.
وصف مسار العملية
يمكن تقسيم وحدة FCC إلى ثلاثة أقسام رئيسية: قسم المفاعل-المجدد، وقسم التجزئة الرئيسي، وقسم تركيز الغاز.
1. قسم المفاعل-المجدد (Reactor-Regenerator Section):
- نظام التغذية: يتم تسخين المادة الخام (عادة زيت الغاز الفراغي - Vacuum Gas Oil) وضخها إلى قاعدة أنبوب صاعد يسمى الرافع (Riser). عند نقطة الحقن، يتم رش المادة الخام من خلال فوهات خاصة (Feed Nozzles) لتحويلها إلى رذاذ دقيق لضمان خلط سريع وفعال.
- المفاعل الرافع (Riser Reactor): عند قاعدة الرافع، يختلط رذاذ المادة الخام مع تيار من العامل الحفاز الساخن جدًا القادم من المجدد (حوالي 650-750 درجة مئوية). يؤدي هذا التلامس إلى تبخير المادة الخام على الفور ورفع درجة حرارتها إلى درجة حرارة التفاعل (حوالي 500-550 درجة مئوية). تحدث الغالبية العظمى (أكثر من 95%) من تفاعلات التكسير أثناء صعود خليط العامل الحفاز والأبخرة الهيدروكربونية بسرعة عالية عبر الرافع. يتم التحكم في زمن المكوث في الرافع بدقة ليكون قصيرًا جدًا (2-4 ثوانٍ) لتحقيق أقصى إنتاج للبنزين وتقليل التكسير الحراري غير المرغوب فيه.
- الفصل في المفاعل: في نهاية الرافع، يدخل الخليط إلى وعاء فصل كبير (Reactor Vessel أو Disengager). يتم فصل الجزء الأكبر من العامل الحفاز عن الأبخرة الهيدروكربونية بفعل الجاذبية وتغيير الاتجاه. بعد ذلك، تمر الأبخرة عبر سلسلة من الفواصل الحلزونية (Cyclones) لإزالة الجسيمات الدقيقة المتبقية من العامل الحفاز.
- نزع الهيدروكربونات (Stripping): يتجمع العامل الحفاز "المستهلك" (Spent Catalyst)، المغطى بطبقة من فحم الكوك والهيدروكربونات الممتصة، في قاع وعاء المفاعل في قسم يسمى النازع (Stripper). يتم حقن البخار في هذا القسم ليصعد عبر طبقة العامل الحفاز، مزيحًا بذلك الأبخرة الهيدروكربونية القيمة العالقة بين جسيمات العامل الحفاز وإعادتها إلى تيار المنتج، مما يزيد من كفاءة العملية.
- التجديد (Regeneration): يتم نقل العامل الحفاز المستهلك والمنزوع منه الهيدروكربونات إلى المجدد (Regenerator). في هذا الوعاء الكبير، يتم حقن الهواء في طبقة مميعة من العامل الحفاز. يتفاعل الأكسجين الموجود في الهواء مع فحم الكوك المترسب على العامل الحفاز في تفاعل احتراق طارد للحرارة بشدة. هذا التفاعل لا ينظف العامل الحفاز ويعيد نشاطه فحسب، بل يسخنه أيضًا إلى درجة الحرارة المطلوبة ليعود إلى الرافع ويوفر الحرارة اللازمة لتفاعلات التكسير الماصة للحرارة. تعمل وحدة FCC كنظام متوازن حراريًا، حيث أن الحرارة الناتجة عن حرق فحم الكوك في المجدد هي المصدر الرئيسي للطاقة للعملية بأكملها. يتم أيضًا استخدام فواصل حلزونية في المجدد لمنع خروج العامل الحفاز مع غازات المداخن.
2. قسم التجزئة الرئيسي (Main Fractionator Section):
تخرج الأبخرة الهيدروكربونية الساخنة من أعلى المفاعل وتدخل إلى قاع برج تقطير ضخم يسمى عمود التجزئة الرئيسي. في هذا البرج، يتم تبريد الأبخرة وفصلها إلى مجاري منتجات مختلفة بناءًلى نقاط غليانها:
- الغازات الخفيفة والبنزين غير المستقر: تخرج من أعلى البرج كأبخرة.
- زيت الدورة الخفيف (Light Cycle Oil - LCO): يتم سحبه من جزء جانبي أعلى في البرج (يُستخدم كمكون في وقود الديزل أو زيت التدفئة).
- زيت الدورة الثقيل (Heavy Cycle Oil - HCO): يتم سحبه من جزء جانبي أسفل في البرج.
- الزيت الموحل (Slurry Oil أو Decant Oil): هو أثقل منتج ويتم سحبه من قاع البرج. يحتوي على كمية صغيرة من جسيمات العامل الحفاز الدقيقة التي لم تتم إزالتها بواسطة الفواصل الحلزونية.
3. قسم تركيز الغاز (Gas Concentration Unit):
يتم إرسال تيار الأبخرة العلوي من عمود التجزئة الرئيسي، والذي يحتوي على غازات البترول المسال (C3-C4) والبنزين غير المستقر، إلى سلسلة من أبراج الضغط والتقطير. في هذه الوحدة، يتم فصل التيار إلى منتجات نهائية: غاز الوقود (Fuel Gas)، تيار غني بالبروبيلين، تيار غني بالبيوتيلين، وغاز البترول المسال (LPG)، بالإضافة إلى البنزين المستقر (Stabilized Gasoline) الذي يتم إرساله إلى وحدات المعالجة النهائية والمزج.
المتغيرات التشغيلية الرئيسية
يتم التحكم في أداء وحدة FCC وإنتاجيتها من خلال ضبط العديد من المتغيرات المترابطة:
- درجة حرارة المفاعل (Reactor Temperature): تؤثر بشكل مباشر على درجة التحويل. زيادة درجة الحرارة تزيد من التحويل وتزيد من إنتاج البنزين والغازات الخفيفة على حساب الزيوت الثقيلة، ولكنها تزيد أيضًا من تكوين فحم الكوك.
- نشاط ونوع العامل الحفاز (Catalyst Activity and Type): يتم الحفاظ على نشاط العامل الحفاز في الوحدة عن طريق إضافة عامل حفاز جديد بشكل دوري وسحب كمية مماثلة من العامل الحفاز المتوازن (Equilibrium Catalyst). يؤثر اختيار نوع الزيوليت والمواد المضافة بشكل كبير على انتقائية المنتج.
- نسبة العامل الحفاز إلى الزيت (Catalyst-to-Oil Ratio): هي نسبة معدل تدفق العامل الحفاز المتداول إلى معدل تدفق المادة الخام. زيادة هذه النسبة تزيد من التحويل، حيث يتم توفير المزيد من المواقع الحفزية والحرارة لكل وحدة من المادة الخام.
- جودة المادة الخام (Feedstock Quality): المواد الخام ذات المحتوى العالي من الهيدروجين (البارافينية) تكون أسهل في التكسير وتنتج عائدًا أعلى من البنزين. المواد الخام التي تحتوي على نسبة عالية من المواد العطرية والمعادن (مثل النيكل والفاناديوم) تقلل من كفاءة العملية وتتطلب عوامل حفازة أكثر مقاومة.
التكسير الهيدروجيني (Hydrocracking)
التكسير الهيدروجيني هو عملية تحويلية متعددة الاستخدامات تجمع بين التكسير الحفزي والهدرجة (Hydrogenation) في عملية واحدة. تتم هذه العملية تحت ضغط هيدروجين مرتفع جدًا (يصل إلى 200 جوي أو أكثر) ودرجات حرارة معتدلة نسبيًا (250-450 درجة مئوية) في وجود عامل حفاز ثنائي الوظيفة. تُعتبر هذه العملية واحدة من أكثر العمليات مرونة في المصفاة، حيث يمكنها معالجة مجموعة واسعة من المواد الخام، بما في ذلك المواد التي يصعب معالجتها في وحدات FCC (مثل المواد العطرية العالية أو الملوثة بالشوائب)، وتحويلها إلى منتجات عالية الجودة ونظيفة للغاية.
مبادئ الجمع بين التكسير والهدرجة
يكمن تفرد التكسير الهيدروجيني في تفاعل وظيفتين حفازيتين بشكل متآزر على نفس العامل الحفاز في وجود الهيدروجين. الوظيفتان هما:
- وظيفة التكسير (Cracking Function): تتم على مواقع حمضية في حامل العامل الحفاز (مثل السيليكا-ألومينا غير المتبلورة أو الزيوليت)، وهي مشابهة لوظيفة التكسير في وحدات FCC، حيث يتم تكسير الروابط C-C عبر آلية الأيون الكربوني.
- وظيفة الهدرجة (Hydrogenation Function): تتم على مواقع معدنية نشطة (مثل النيكل، الموليبدينوم، الكوبالت، التنجستن، أو معادن نبيلة مثل البلاتين والبلاديوم) موزعة على الحامل. هذه الوظيفة مسؤولة عن إضافة الهيدروجين.
يؤدي وجود الهيدروجين بضغط عالٍ إلى عدة تأثيرات حاسمة:
- إزالة الشوائب (Hydrotreating): قبل بدء التكسير الفعلي، يتفاعل الهيدروجين مع الشوائب الموجودة في المادة الخام مثل الكبريت والنيتروجين والأكسجين، محولًا إياها إلى كبريتيد الهيدروجين ($ H_2S $)، والأمونيا ($ NH_3 $)، والماء ($ H_2O $)، على التوالي. هذا ينظف المادة الخام ويحمي وظيفة التكسير الحساسة للعامل الحفاز.
- تشبيع الأوليفينات والمركبات العطرية: على عكس FCC الذي ينتج الأوليفينات، يقوم التكسير الهيدروجيني بتشبيع أي أوليفينات تتكون فورًا، مما ينتج ألكانات (بارافينات). كما أنه يقوم بهدرجة (تشبيع) الحلقات العطرية وتحويلها إلى نافثينات، والتي يمكن بعد ذلك فتح حلقاتها وتكسيرها بسهولة أكبر.
- منع تكوين فحم الكوك: البيئة الغنية بالهيدروجين تمنع تفاعلات البلمرة والتكثيف التي تؤدي إلى تكوين فحم الكوك، مما يسمح بفترات تشغيل طويلة جدًا للعامل الحفاز (تمتد لسنوات) قبل الحاجة إلى التجديد.
نتيجة لهذه الآلية المزدوجة، ينتج التكسير الهيدروجيني منتجات مشبعة بالكامل وخالية تقريبًا من الشوائب، مثل وقود الديزل ذي الرقم السيتاني (Cetane Number) المرتفع جدًا، ووقود الطائرات ذي نقطة الدخان (Smoke Point) العالية، ومكونات مزج البنزين عالية الجودة، والنافثا الممتازة كمادة خام لوحدات الإصلاح الحفزي (Catalytic Reforming) أو التكسير بالبخار.
أنواع العوامل الحفازة في التكسير الهيدروجيني
تُصمم العوامل الحفازة للتكسير الهيدروجيني لتحقيق توازن معين بين نشاط التكسير ونشاط الهدرجة، اعتمادًا على المادة الخام والمنتجات المطلوبة. بشكل عام، يمكن تصنيفها إلى نوعين:
- عوامل حفازة ذات حامل غير متبلور (Amorphous Support): تستخدم السيليكا-ألومينا كحامل حمضي. تكون حمضيتها معتدلة، مما يجعلها مناسبة لإنتاج نواتج التقطير المتوسطة (مثل الديزل ووقود الطائرات). المعادن المستخدمة عادة هي كبريتيدات النيكل-الموليبدينوم (Ni-Mo) أو النيكل-التنجستن (Ni-W).
- عوامل حفازة ذات حامل زيوليتي (Zeolitic Support): تستخدم الزيوليتات (مثل زيوليت Y) كحامل، مما يوفر حمضية أقوى ونشاط تكسير أعلى. هذه العوامل الحفازة أكثر ملاءمة لزيادة إنتاج البنزين. غالبًا ما يتم دمجها مع معادن نبيلة (بلاتين، بلاديوم) أو معادن غير نبيلة (Ni-W, Ni-Mo).
مسار العملية والتهيئة
تتم عملية التكسير الهيدروجيني في مفاعلات ذات طبقة ثابتة (Fixed-Bed Reactors) حيث تتدفق المادة الخام والهيدروجين معًا لأسفل عبر طبقات من العامل الحفاز. هناك تهيئتان رئيسيتان للعملية:
تهيئة المرحلة الواحدة (Single-Stage Configuration)
في هذا التصميم الأبسط، تتم كل من تفاعلات المعالجة بالهيدروجين (إزالة الشوائب) وتفاعلات التكسير في مفاعل واحد أو سلسلة من المفاعلات في نفس حلقة التدوير. مسار العملية: 1. يتم خلط المادة الخام السائلة مع تيار غني بالهيدروجين (هيدروجين نقي معاد تدويره). 2. يتم تسخين الخليط في فرن ويمر عبر المفاعل (أو المفاعلات) ذي الطبقة الثابتة. 3. يتم تبريد مخرجات المفاعل وفصلها في وعاء فصل عالي الضغط إلى تيار غازي (غني بالهيدروجين) وتيار سائل. 4. يتم إعادة تدوير التيار الغازي إلى مدخل العملية بعد تنقيته، بينما يتم إرسال التيار السائل إلى وعاء فصل منخفض الضغط ثم إلى برج تجزئة لفصل المنتجات النهائية (غازات، نافثا، كيروسين، ديزل). 5. يمكن إعادة تدوير الجزء غير المحول (Unconverted Oil) من قاع برج التجزئة إلى مدخل المفاعل لزيادة التحويل الكلي.
تهيئة المرحلتين (Two-Stage Configuration)
يستخدم هذا التصميم الأكثر تعقيدًا عندما تكون المادة الخام غنية جدًا بالشوائب (خاصة النيتروجين)، أو عندما يكون الهدف هو تحقيق أقصى تحويل وإنتاج منتجات محددة. مسار العملية: 1. المرحلة الأولى: تعمل كمرحلة معالجة بالهيدروجين بشكل أساسي. يتم تمرير المادة الخام والهيدروجين عبر مفاعل أول يحتوي على عامل حفاز قوي للمعالجة بالهيدروجين ومقاوم للشوائب. في هذا المفاعل، تتم إزالة معظم الكبريت والنيتروجين، مع حدوث بعض التكسير المحدود. 2. الفصل الوسيط: يتم تبريد مخرجات المرحلة الأولى وفصلها. يتم إزالة الأمونيا وكبريتيد الهيدروجين المتكونين. هذا يحمي العامل الحفاز في المرحلة الثانية. 3. المرحلة الثانية: يتم إرسال التيار الهيدروكربوني النظيف من المرحلة الأولى (مع الهيدروجين) إلى مفاعل ثانٍ يحتوي على عامل حفاز مصمم خصيصًا لتحقيق نشاط تكسير عالٍ. نظرًا لأن المادة الخام الآن نظيفة، يمكن استخدام عوامل حفازة أكثر نشاطًا وحساسية (مثل الزيوليتية) لتحقيق التحويل المطلوب. 4. يتم بعد ذلك معالجة مخرجات المرحلة الثانية بنفس طريقة المرحلة الواحدة (فصل وتجزئة).
المتغيرات التشغيلية والتأثيرات
- ضغط الهيدروجين الجزئي (Hydrogen Partial Pressure): هو المتغير الأكثر أهمية. الضغط العالي ضروري لزيادة معدل تفاعلات الهدرجة، وتقليل تعطيل العامل الحفاز بسبب فحم الكوك، وتحقيق إزالة فعالة للشوائب.
- درجة الحرارة (Temperature): هي الأداة الرئيسية للتحكم في درجة التحويل. مع مرور الوقت، يفقد العامل الحفاز نشاطه ببطء، ويتم تعويض ذلك عن طريق زيادة درجة حرارة المفاعل تدريجيًا للحفاظ على مستوى تحويل ثابت.
- السرعة الفراغية للسائل الساعية (Liquid Hourly Space Velocity - LHSV): هي مقياس لمعدل تدفق السائل الخام بالنسبة لحجم العامل الحفاز. LHSV منخفض يعني زمن مكوث أطول، وبالتالي درجة تحويل أعلى.
- نسبة الهيدروجين إلى الزيت (Hydrogen-to-Oil Ratio): يجب الحفاظ على نسبة عالية لضمان وجود فائض من الهيدروجين في جميع أنحاء المفاعل، مما يساعد في الحفاظ على ضغط الهيدروجين الجزئي ويساعد في تبديد حرارة التفاعل.
مقارنة بين عمليات التكسير الرئيسية
لكل من عمليات التكسير الرئيسية - التكسير الحراري، والتكسير الحفزي المائع (FCC)، والتكسير الهيدروجيني - دور محدد ومجموعة فريدة من الخصائص التي تحدد مكانتها في مصفاة النفط. يعتمد اختيار العملية المناسبة على عدة عوامل، بما في ذلك نوع النفط الخام المتاح، والطلب في السوق على منتجات معينة، والاعتبارات البيئية، والاقتصاديات العامة للمصفاة. يقدم الجدول التالي مقارنة شاملة بين هذه العمليات الثلاث.
المعيار | التكسير الحراري (Thermal Cracking) | التكسير الحفزي المائع (FCC) | التكسير الهيدروجيني (Hydrocracking) |
---|---|---|---|
الهدف الأساسي | متنوع: إنتاج الأوليفينات (التكسير بالبخار)، تقليل اللزوجة (Visbreaking)، ترقية المخلفات الثقيلة (التفحيم). | إنتاج كميات كبيرة من البنزين عالي الأوكتان والأوليفينات الخفيفة (بروبيلين، بيوتيلين). | إنتاج منتجات عالية الجودة ومرنة (ديزل عالي السيتان، وقود طائرات، نافثا)، ومعالجة المواد الخام الصعبة. |
ظروف التشغيل | درجات حرارة عالية جدًا (450-900 درجة مئوية)، ضغوط متغيرة (منخفضة إلى متوسطة). | درجات حرارة متوسطة (500-550 درجة مئوية)، ضغط منخفض نسبيًا (1-2 جوي). | درجات حرارة معتدلة (250-450 درجة مئوية)، ضغوط عالية جدًا (70-200 جوي). |
استخدام العامل الحفاز | لا يوجد عامل حفاز. | نعم، عامل حفاز مسحوق (زيوليت في مصفوفة سيليكا-ألومينا) في طبقة مميعة، مع تجديد مستمر. | نعم، عامل حفاز ثنائي الوظيفة (حمضي + معدني) في طبقة ثابتة، مع عمر طويل. |
المادة الخام النموذجية | متنوعة: من الإيثان والنافثا (التكسير بالبخار) إلى المتبقي الفراغي (Visbreaking, Coking). | زيت الغاز الفراغي (VGO)، وأحيانًا المتبقي الجوي. | نطاق واسع: زيت الغاز، زيوت الدورة من FCC، الزيوت العطرية، المتبقيات المعالجة. |
المنتجات الرئيسية | أوليفينات (إيثيلين، بروبيلين)، بنزين منخفض الأوكتان، زيت وقود، فحم الكوك. | بنزين عالي الأوكتان، غاز البترول المسال (غني بالأوليفينات)، زيت الدورة الخفيف (LCO)، زيت موحل. | ديزل عالي السيتان، وقود طائرات، نافثا، غاز البترول المسال (مشبع)، مكونات مزج البنزين. |
جودة المنتجات | متغيرة. بنزين منخفض الجودة. المنتجات تحتوي على شوائب (كبريت، نيتروجين). | جيدة. بنزين عالي الأوكتان ولكنه يحتوي على أوليفينات وكبريت (يتطلب معالجة لاحقة). LCO عطري ومنخفض السيتان. | ممتازة. المنتجات مشبعة بالكامل، خالية تقريبًا من الكبريت والنيتروجين، ومستقرة. |
المرونة التشغيلية | منخفضة. مصممة لهدف محدد. | متوسطة إلى عالية. يمكن تعديل الإنتاج بين البنزين والأوليفينات إلى حد ما. | عالية جدًا. يمكن تعديل ظروف التشغيل والعامل الحفاز لتغيير توزيع المنتج بشكل كبير (بين البنزين والديزل). |
التكاليف الرأسمالية | متغيرة (من متوسطة لـ Visbreaking إلى عالية جدًا لـ Steam Cracking). | عالية جدًا. | عالية جدًا، بسبب المفاعلات ذات الضغط العالي والحاجة إلى وحدة إنتاج هيدروجين. |
التكاليف التشغيلية | متوسطة (باستثناء استهلاك الطاقة العالي في التكسير بالبخار). | متوسطة. | عالية، بسبب الاستهلاك الكبير للهيدروجين والطاقة. |
تكامل عمليات التكسير في مصفاة النفط
لا تعمل وحدات عمليات التكسير بشكل منعزل؛ بل هي جزء من شبكة متكاملة ومعقدة من العمليات داخل مصفاة النفط، مصممة لتحويل كل جزء من برميل النفط الخام إلى منتجات قابلة للبيع بأقصى قيمة ممكنة. يعد التكامل الذكي لهذه الوحدات أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق الربحية والمرونة في مواجهة التغيرات في أنواع النفط الخام المتاحة ومتطلبات السوق.
يبدأ المسار عادةً بوحدة التقطير الجوي، التي تفصل النفط الخام إلى أجزاء أولية. الأجزاء الثقيلة من هذه الوحدة، مثل المتبقي الجوي، يتم إرسالها إلى وحدة تقطير فراغي لفصلها مرة أخرى تحت ضغط منخفض. هنا يبدأ الدور الحاسم لوحدات التكسير:
- زيت الغاز الفراغي (VGO): هو المادة الخام الرئيسية لوحدات التكسير التحويلية. يمكن توجيهه إلى:
- وحدة FCC: عندما يكون الهدف الأساسي هو إنتاج البنزين. تعتبر وحدة FCC "ماكينة صنع البنزين" في المصفاة.
- وحدة التكسير الهيدروجيني: عندما يكون الطلب على وقود الديزل عالي الجودة ووقود الطائرات مرتفعًا، أو عندما تكون المادة الخام منخفضة الجودة (عطرية عالية).
- المتبقي الفراغي (Vacuum Residue): هو أثقل جزء في المصفاة. نظرًا لأنه يحتوي على تركيزات عالية من المعادن والكبريت والأسفلتين، فإنه يتطلب عمليات قوية لمعالجته:
- وحدة التفحيم المؤجل (Delayed Coker): هي الوجهة الأكثر شيوعًا للمتبقي الفراغي، حيث تقوم بتحويله إلى منتجات سائلة أخف (نافثا، زيت غاز) وفحم الكوك.
- وحدة التكسير باللزوجة (Visbreaker): تستخدم كحل منخفض التكلفة لتقليل لزوجة المتبقي لإنتاج زيت وقود، وهي أقل تحويلاً من التفحيم.
تتفاعل مخرجات هذه الوحدات أيضًا مع عمليات أخرى. على سبيل المثال، يمكن استخدام زيت الدورة الخفيف (LCO) من وحدة FCC كمادة خام لوحدة التكسير الهيدروجيني لترقيته إلى ديزل عالي الجودة. النافثا الناتجة من جميع وحدات التكسير (FCC، Coker، Hydrocracker) يتم معالجتها بالهيدروجين ثم إرسالها إلى وحدة الإصلاح الحفزي لزيادة رقم الأوكتان أو استخدامها كمكون مزج مباشر في وقود البنزين النهائي. هذا التكامل المعقد يسمح للمصفاة بتعديل عملياتها لتحقيق أقصى استفادة من كل قطرة نفط خام.
الخاتمة
في الختام، تشكل عمليات التكسير (Cracking Processes) مجموعة من التقنيات الهندسية والكيميائية الحيوية التي مكنت صناعة تكرير النفط من التطور من مجرد فصل فيزيائي لمكونات النفط الخام إلى مصنع كيميائي معقد قادر على إعادة تشكيل الجزيئات لتلبية احتياجات الطاقة والمواد في العالم الحديث. من القوة الغاشمة للتكسير الحراري في إنتاج البتروكيماويات الأساسية وترقية أثقل المخلفات، إلى الدقة الحفزية لوحدة FCC في إنتاج البنزين، وصولًا إلى المرونة والجودة الفائقة التي يوفرها التكسير الهيدروجيني، تقدم كل عملية حلاً فريدًا لتحدي تحويل الهيدروكربونات. إن الفهم العميق للمبادئ الكيميائية، والمتغيرات التشغيلية، والتكامل بين هذه العمليات ليس فقط أساسيًا للمهندسين العاملين في هذا المجال، بل هو أيضًا شهادة على الإبداع الهندسي الذي يدعم مجتمعاتنا المعتمدة على الطاقة.
المصادر
- Gary, J. H., Handwerk, G. E., & Kaiser, M. J. (2007). Petroleum Refining: Technology and Economics (5th ed.). CRC Press.
- Speight, J. G. (2014). The Chemistry and Technology of Petroleum (5th ed.). CRC Press.
- Sadeghbeigi, R. (2012). Fluid Catalytic Cracking Handbook: An Expert Guide to the Practical Operation, Design, and Optimization of FCC Units (3rd ed.). Butterworth-Heinemann.
- Robinson, P. R., & Hsu, C. S. (Eds.). (2017). Springer Handbook of Petroleum Technology. Springer.
- U.S. Energy Information Administration (EIA). (n.d.). Refinery Processes - Cracking. Retrieved from the EIA website.
- Ancheyta, J. (Ed.). (2011). Hydroprocessing of Heavy Oils and Residua. CRC Press.