آخر المواضيع

فهم عمليات تصفية النفط | Petroleum Refining Processes

مقدمة في عمليات تصفية النفط

تُعد عمليات تصفية النفط (Petroleum Refining Process) حجر الزاوية في صناعة الطاقة العالمية، حيث تمثل الجسر الذي يربط بين استخراج النفط الخام من باطن الأرض وتوفير المنتجات البترولية النهائية التي يعتمد عليها المجتمع الحديث. النفط الخام، في حالته الطبيعية، هو خليط معقد من آلاف المركبات الهيدروكربونية وغيرها من الشوائب، مما يجعله غير صالح للاستخدام المباشر. تقوم مصافي النفط، وهي منشآت صناعية هندسية بالغة التعقيد، بتحويل هذا الخليط إلى مجموعة واسعة من المنتجات ذات القيمة، بدءًا من وقود النقل مثل الجازولين والديزل، مرورًا بوقود الطائرات وزيوت التشحيم، وانتهاءً بالمواد الأولية للصناعات البتروكيماوية. يتناول هذا المقال بشكل مفصل ودقيق الأسس العلمية والهندسية لعمليات تصفية النفط، مستعرضًا المراحل المختلفة التي يمر بها النفط الخام، من لحظة وصوله إلى المصفاة وحتى تحوله إلى منتجات نهائية تلبي المواصفات القياسية الصارمة. سيتم التركيز على العمليات الأساسية كالفصل، والتحويل، والمعالجة، والمزج، مع شرح المبادئ الكيميائية والفيزيائية التي تحكم كل عملية، والمعدات الهندسية المستخدمة، والمتغيرات التشغيلية التي تؤثر على جودة وكمية الإنتاج.

فهم عمليات تصفية النفط| Petroleum Refining Process


طبيعة النفط الخام وخصائصه الأساسية

إن فهم الخصائص الفيزيائية والكيميائية للنفط الخام هو الخطوة الأولى والأساسية في تصميم وتشغيل عمليات تصفية النفط. لا يوجد نوع واحد من النفط الخام؛ بل هو يختلف بشكل كبير في تركيبه وخصائصه من حقل إلى آخر، وحتى من طبقة إلى أخرى في نفس الحقل. هذه الاختلافات تؤثر بشكل مباشر على استراتيجية التكرير، وتصميم الوحدات، وتكلفة التشغيل، ونوعية المنتجات النهائية.

التركيب الكيميائي للنفط الخام

يتكون النفط الخام بشكل أساسي من الهيدروكربونات، وهي مركبات عضوية تحتوي على عنصري الكربون والهيدروجين فقط. ومع ذلك، فإنه يحتوي أيضًا على كميات متفاوتة من المركبات غير الهيدروكربونية التي تحتوي على الكبريت والنيتروجين والأكسجين، بالإضافة إلى كميات ضئيلة من الفلزات. يمكن تصنيف المكونات الرئيسية على النحو التالي:

الهيدروكربونات (Hydrocarbons)

تشكل الهيدروكربونات أكثر من 95% من وزن النفط الخام في معظم الحالات، وتنقسم إلى ثلاث عائلات رئيسية:

  • البرافينات (Paraffins) أو الألكانات (Alkanes): هي هيدروكربونات مشبعة ذات سلسلة مستقيمة (normal paraffins) أو متفرعة (isoparaffins)، صيغتها الكيميائية العامة هي $C_n H_{2n+2}$. تعتبر البرافينات الخفيفة (مثل الميثان والبروبان) غازات في الظروف العادية، بينما تشكل البرافينات المتوسطة (مثل الهكسان والأوكتان) مكونات رئيسية في الجازولين. البرافينات الثقيلة تكون سائلة (زيوت) أو صلبة (شموع). تتميز البرافينات المتفرعة برقم أوكتان أعلى من نظيراتها ذات السلسلة المستقيمة، مما يجعلها مرغوبة في وقود الجازولين.
  • النفثينات (Naphthenes) أو الألكانات الحلقية (Cycloalkanes): هي هيدروكربونات مشبعة تتخذ فيها ذرات الكربون شكل حلقة، صيغتها الكيميائية العامة هي $C_n H_{2n}$. من الأمثلة الشائعة السيكلوبنتان (cyclopentane) والسيكلوهكسان (cyclohexane). تعتبر النفثينات مكونات مرغوبة في وقود النفاثات والديزل والجازولين بعد تحويلها في عمليات إعادة التشكيل الحفزي.
  • الأروماتيات (Aromatics): هي هيدروكربونات غير مشبعة تحتوي على حلقة بنزين واحدة على الأقل ($C_6 H_6$) أو حلقات بنزين متعددة متصلة. من الأمثلة البنزين، التولوين، والزيلين (BTX). تتميز الأروماتيات برقم أوكتان مرتفع جدًا، ولكن استخدامها في الجازولين يخضع لقيود بيئية بسبب ميلها لإنتاج السناج عند الاحتراق وتأثيراتها الصحية. كما أنها مواد أولية حيوية في صناعة البتروكيماويات.

المركبات غير الهيدروكربونية

تعتبر هذه المركبات شوائب يجب إزالتها أو تقليل تركيزها أثناء عمليات تصفية النفط، لأنها تسبب مشاكل عديدة مثل تآكل المعدات، وتسمم العوامل الحفازة، والتلوث البيئي.

  • مركبات الكبريت: يوجد الكبريت في النفط الخام على أشكال مختلفة، مثل كبريتيد الهيدروجين ($H_2S$)، المركبتانات (thiols)، الكبريتيدات (sulfides)، وثنائي الكبريتيدات (disulfides)، ومركبات حلقية معقدة مثل الثيوفين (thiophene). يعتبر الكبريت من أكثر الشوائب إشكالية، حيث يؤدي احتراق وقود يحتوي عليه إلى انبعاث أكاسيد الكبريت ($SO_x$) التي تسبب المطر الحمضي.
  • مركبات النيتروجين: توجد عادة على شكل مركبات حلقية أساسية (basic) مثل البيريدين (pyridine) أو غير أساسية (non-basic) مثل البيرول (pyrrole). تسبب مركبات النيتروجين تسمم العوامل الحفازة، خصوصًا في وحدات إعادة التشكيل الحفزي، وتساهم في عدم استقرار المنتجات وتكوين الصمغ، كما تساهم في تكوين أكاسيد النيتروجين ($NO_x$) عند الاحتراق.
  • مركبات الأكسجين: توجد بكميات أقل من الكبريت والنيتروجين، وتشمل الأحماض النفثينية (naphthenic acids)، الفينولات (phenols)، والإسترات. تسبب الأحماض النفثينية تآكلًا شديدًا في وحدات التقطير عند درجات حرارة مرتفعة.
  • المركبات الفلزية: توجد الفلزات مثل النيكل (Nickel)، الفاناديوم (Vanadium)، والحديد (Iron) بكميات ضئيلة جدًا (أجزاء في المليون)، وتكون مرتبطة غالبًا بجزيئات هيدروكربونية معقدة وثقيلة تسمى البورفيرينات (porphyrins). تترسب هذه الفلزات على سطح العوامل الحفازة في وحدات التكسير الحفزي والتكسير الهيدروجيني، مما يؤدي إلى فقدان فعاليتها بشكل دائم.

التصنيف الفيزيائي للنفط الخام

لتسهيل التداول التجاري وتحديد استراتيجية التكرير المناسبة، يتم تصنيف النفط الخام بناءً على خاصيتين فيزيائيتين رئيسيتين: الكثافة ومحتوى الكبريت.

الكثافة وثقل API

تقاس كثافة النفط الخام عادةً بوحدة ثقل معهد البترول الأمريكي (API Gravity). وهي مقياس عكسي للكثافة النسبية للنفط مقارنة بالماء. العلاقة بين ثقل API والكثافة النوعية (Specific Gravity, SG) عند 60 درجة فهرنهايت (15.6 درجة مئوية) تُعطى بالمعادلة التالية:

$$ \text{API Gravity} = \frac{141.5}{\text{SG}} - 131.5 $$

حيث أن $SG = \frac{\rho_{oil}}{\rho_{water}}$. بناءً على قيمة ثقل API، يصنف النفط الخام كالتالي:

  • نفط خام خفيف (Light Crude Oil): ثقل API أعلى من 31.1°. يحتوي على نسبة عالية من الهيدروكربونات الخفيفة التي يمكن تقطيرها بسهولة لإنتاج الجازولين والديزل. وهو الأكثر طلبًا والأعلى سعرًا.
  • نفط خام متوسط (Medium Crude Oil): يتراوح ثقل API بين 22.3° و 31.1°.
  • نفط خام ثقيل (Heavy Crude Oil): يتراوح ثقل API بين 10° و 22.3°. يحتوي على نسبة عالية من المكونات الثقيلة والأروماتيات والشوائب، ويتطلب عمليات تحويل أكثر تعقيدًا لإنتاج منتجات خفيفة.
  • نفط خام ثقيل جدًا (Extra Heavy Crude Oil): ثقل API أقل من 10°. كثافته أعلى من كثافة الماء، ويحتوي على نسبة عالية من الأسفلت (asphaltenes).

محتوى الكبريت

يصنف النفط الخام أيضًا بناءً على نسبة الكبريت الوزنية فيه:

  • نفط خام حلو (Sweet Crude Oil): يحتوي على نسبة كبريت منخفضة، عادة أقل من 0.5% بالوزن. يتطلب معالجة أقل لإزالة الكبريت، وبالتالي تكون تكلفة تكريره أقل.
  • نفط خام حامضي (Sour Crude Oil): يحتوي على نسبة كبريت عالية، أعلى من 0.5% بالوزن. يتطلب وحدات معالجة هيدروجينية ووحدات استخلاص كبريت مكثفة، مما يزيد من تعقيد المصفاة وتكلفة التشغيل.

على سبيل المثال، يعتبر نفط برنت (Brent) خامًا خفيفًا وحلوًا، بينما يعتبر خام دبي (Dubai) خامًا متوسطًا وحامضيًا. يؤثر هذا التصنيف بشكل مباشر على سعر النفط الخام في الأسواق العالمية.

أهمية تحليل النفط الخام (Crude Oil Assay)

تحليل النفط الخام (Crude Oil Assay) هو مجموعة شاملة من الاختبارات المعملية التي تجرى على عينة من النفط الخام لتحديد خصائصها الفيزيائية والكيميائية بالتفصيل. يعتبر هذا التحليل بمثابة "بصمة" للنفط الخام وهو وثيقة حيوية للمصافي. يوفر التحليل معلومات أساسية مثل:

  • منحنى التقطير (Distillation Curve): يتم الحصول عليه عادةً من خلال تقطير التوازن الحقيقي (True Boiling Point - TBP). يوضح هذا المنحنى نسبة السائل المتبخر عند كل درجة حرارة، مما يسمح بتحديد العائد المتوقع لكل منتج (cut) مثل النافثا، الكيروسين، والديزل.
  • خصائص كل جزء مقطّر: يتم تحليل كل جزء تم فصله في التقطير لتحديد خصائصه الهامة، مثل ثقل API، محتوى الكبريت، اللزوجة، رقم الأوكتان للنافثا، ورقم السيتان للديزل.
  • محتوى الشوائب الكلي: تحديد دقيق لمحتوى الكبريت، النيتروجين، الفلزات، الملح، والماء في النفط الخام الكلي.

تستخدم المصافي هذه البيانات لتقييم مدى ملاءمة نفط خام معين لوحداتها التشغيلية، وللتنبؤ بكمية ونوعية المنتجات التي يمكن إنتاجها، ولتحديد التعديلات المطلوبة في ظروف التشغيل، وفي النهاية، لحساب الربحية الاقتصادية لتكرير ذلك النفط.

منحنى التقطير (Distillation Curve)
منحنى التقطير (Distillation Curve).


نظرة عامة على مصفاة النفط

مصفاة النفط هي منشأة صناعية متكاملة ومعقدة، تتألف من مجموعة من وحدات العمليات (Process Units) المترابطة، مصممة لتحويل النفط الخام إلى منتجات نهائية قابلة للاستخدام. الهدف الأساسي للمصفاة هو زيادة قيمة النفط الخام عن طريق فصله وتحويله إلى منتجات ذات طلب عالٍ في السوق. يمكن أن تختلف المصافي بشكل كبير في حجمها وتعقيدها، اعتمادًا على نوع النفط الخام الذي تعالجه، والمنتجات التي تهدف إلى إنتاجها، واللوائح البيئية المحلية.

هيكل المصفاة وتدفق العمليات

على الرغم من التنوع الكبير بين المصافي، إلا أن معظمها يتبع تدفقًا عامًا للعمليات يمكن تقسيمه إلى أربع فئات رئيسية:

  1. الفصل (Separation): هي المرحلة الأولى التي يتم فيها فصل النفط الخام إلى أجزاء أو "قطفات" (fractions) مختلفة بناءً on a اختلاف درجات غليانها. العملية الأساسية هنا هي التقطير (Distillation)، والذي يتم في وحدتي التقطير الجوي والتقطير الفراغي.
  2. التحويل (Conversion): في هذه المرحلة، يتم تغيير التركيب الكيميائي للأجزاء التي تم فصلها، وخاصة الأجزاء الثقيلة ذات القيمة المنخفضة، لإنتاج منتجات أخف وأعلى قيمة مثل الجازولين. تشمل هذه العمليات التكسير (Cracking)، إعادة التشكيل (Reforming)، الألكلة (Alkylation)، والأزمرة (Isomerization).
  3. المعالجة (Treating): تهدف هذه العمليات إلى إزالة الشوائب (مثل الكبريت والنيتروجين) من المنتجات لتحسين جودتها، والامتثال للمواصفات البيئية، ومنع المشاكل التشغيلية مثل التآكل وتسمم العوامل الحفازة. العملية الرئيسية هنا هي المعالجة الهيدروجينية (Hydrotreating).
  4. المزج والتشطيب (Blending and Finishing): هي المرحلة النهائية التي يتم فيها مزج المكونات المختلفة (streams) من وحدات الفصل والتحويل والمعالجة بنسب محددة، مع إضافة بعض المواد المضافة (additives)، لإنتاج المنتجات النهائية (مثل الجازولين بدرجات أوكتان مختلفة) التي تلبي جميع المواصفات المطلوبة للسوق.

بالإضافة إلى وحدات العمليات هذه، تحتوي المصفاة على بنية تحتية واسعة ومعقدة تشمل أنظمة المرافق (utilities) مثل محطات توليد الطاقة والبخار، وأنظمة معالجة المياه، وأنظمة الهواء المضغوط، بالإضافة إلى أنظمة التخزين (storage tanks) والنقل (pipelines)، وأنظمة السلامة ومكافحة الحرائق.

تصنيف المصافي

يمكن تصنيف المصافي بناءً على درجة تعقيدها وقدرتها على تحويل المكونات الثقيلة. مؤشر نيلسون للتعقيد (Nelson Complexity Index) هو مقياس شائع الاستخدام للمقارنة بين المصافي.

المصفاة البسيطة (Topping Refinery)

هذا هو أبسط أنواع المصافي. تتكون بشكل أساسي من وحدة تقطير جوي فقط. تقوم بفصل النفط الخام إلى منتجات مثل غاز البترول المسال، النافثا، الكيروسين، الديزل، وتترك كمية كبيرة من البقايا الثقيلة (atmospheric residue) كزيت وقود ثقيل. هذه المصافي غير قادرة على إنتاج كميات كبيرة من الجازولين عالي الجودة وتكون ربحيتها محدودة، خاصة مع النفط الخام الثقيل.

مصفاة التكسير (Conversion Refinery)

بالإضافة إلى وحدات التقطير، تحتوي هذه المصافي على وحدات تحويل رئيسية. يمكن تقسيمها إلى:

  • مصفاة Hydroskimming: تحتوي على وحدة تقطير جوي، وحدة معالجة هيدروجينية للنافثا، ووحدة إعادة تشكيل حفزي. هدفها الرئيسي هو تحسين رقم الأوكتان للنافثا لإنتاج الجازولين. لا تزال تنتج كمية كبيرة من زيت الوقود الثقيل.
  • مصفاة التكسير الحفزي (FCC Refinery): تحتوي على وحدة تقطير فراغي ووحدة تكسير حفزي مائع (Fluid Catalytic Cracking - FCC) بالإضافة إلى وحدات الـ Hydroskimming. تقوم وحدة التكسير الحفزي بتحويل زيت الغاز الثقيل (من التقطير الجوي والفراغي) إلى جازولين عالي الأوكتان وغازات خفيفة. هذا النوع من المصافي أكثر مرونة وقدرة على إنتاج كميات أكبر من وقود النقل.
  • مصفاة التكسير الهيدروجيني (Hydrocracking Refinery): تحتوي على وحدة تكسير هيدروجيني (Hydrocracker)، والتي تستخدم الهيدروجين بضغط عالٍ لتحويل الأجزاء الثقيلة جدًا إلى منتجات عالية الجودة مثل وقود النفاثات والديزل ذي المحتوى الكبريتي المنخفض جدًا. هذه المصافي أكثر تكلفة في البناء والتشغيل ولكنها قادرة على معالجة أنواع أوسع من النفط الخام وإنتاج منتجات نظيفة وعالية القيمة.

المصفاة المتكاملة أو العميقة (Deep Conversion Refinery)

هذا هو النوع الأكثر تعقيدًا وتقدمًا. بالإضافة إلى جميع الوحدات السابقة، فإنه يحتوي على وحدات لمعالجة البقايا النهائية من التقطير الفراغي (vacuum residue)، مثل وحدات التفحيم المتأخر (Delayed Coking) أو التغويز (Gasification). الهدف من هذه المصافي هو تقليل إنتاج زيت الوقود الثقيل إلى الحد الأدنى (أو القضاء عليه تمامًا) وتحويل كل برميل من النفط الخام تقريبًا إلى منتجات خفيفة عالية القيمة (transportation fuels) وفحم بترولي (petroleum coke).

عمليات الفصل الفيزيائي

تعتبر عمليات الفصل الفيزيائي الخطوة الأولى والأساس في تصفية النفط. تعتمد هذه العمليات على الخواص الفيزيائية للمكونات، مثل درجة الغليان، لفصل خليط النفط الخام المعقد إلى مجموعات أبسط من الهيدروكربونات تسمى "القطفات" أو "الأجزاء" (fractions or cuts). العملية الرئيسية والأكثر أهمية في هذه الفئة هي التقطير.

التقطير الجوي (Atmospheric Distillation)

وحدة التقطير الجوي (Atmospheric Distillation Unit - ADU) هي قلب المصفاة وأول وحدة عمليات رئيسية يمر بها النفط الخام. الهدف منها هو فصل النفط الخام عند ضغط قريب من الضغط الجوي إلى عدة قطفات تتميز بنطاقات غليان مختلفة.

مراحل العملية

  1. المعالجة الأولية (Pre-treatment): قبل الدخول إلى برج التقطير، يتم أولاً إزالة الأملاح والماء من النفط الخام في وحدة تسمى وحدة إزالة الأملاح (Desalter). يتم ذلك عن طريق خلط النفط الخام بالماء لامتصاص الأملاح الذائبة، ثم يتم تطبيق مجال كهربائي عالي الجهد لفصل مستحلب الماء والنفط. هذه الخطوة ضرورية لمنع التآكل وتكوّن الرواسب في المعدات اللاحقة.
  2. التسخين المبدئي (Pre-heating): يتم تسخين النفط الخام منزوع الملح بشكل تدريجي عن طريق سلسلة من المبادلات الحرارية (heat exchangers)، حيث يتم استغلال حرارة المنتجات الساخنة الخارجة من برج التقطير. هذا الأسلوب يحسن من كفاءة الطاقة في المصفاة بشكل كبير.
  3. التسخين في الفرن (Furnace Heating): بعد التسخين المبدئي، يمر النفط الخام عبر فرن (fired heater) حيث يتم تسخينه إلى درجة حرارة عالية تتراوح بين 350 و 400 درجة مئوية. عند هذه الحرارة، يتبخر جزء كبير من النفط الخام، ويصبح الخليط مكونًا من طورين: بخار وسائل.
  4. التقطير في البرج (Fractionation): يتم إدخال هذا الخليط الساخن ثنائي الطور إلى برج التقطير الجوي (Atmospheric Fractionation Column)، وهو برج عمودي طويل قد يصل ارتفاعه إلى 50 مترًا. يعمل البرج عند ضغط أعلى قليلاً من الضغط الجوي.

مكونات وتشغيل برج التقطير

يحتوي البرج من الداخل على سلسلة من الصواني (trays) أو الحشوات (packing) المصممة لزيادة مساحة التلامس بين البخار الصاعد والسائل النازل.

  • التدرج الحراري: يوجد تدرج في درجة الحرارة على طول البرج، حيث تكون أعلى درجة حرارة في القاع (حوالي 350 درجة مئوية) وأقلها في القمة (حوالي 120 درجة مئوية).
  • آلية الفصل: عندما يدخل الخليط الساخن إلى البرج، ترتفع الأبخرة الأخف (ذات درجات الغليان المنخفضة) نحو قمة البرج. أثناء صعودها، تبرد وتتكثف على الصواني عند ارتفاعات مختلفة. المكونات الأثقل (ذات درجات الغليان المرتفعة) تبقى في الطور السائل وتتدفق نحو قاع البرج.
  • السائل المرتجع (Reflux): يتم تبريد البخار الخارج من قمة البرج في مكثف (condenser). جزء من السائل المتكثف يتم إعادته إلى قمة البرج كسائل مرتجع. هذا السائل البارد يتدفق إلى الأسفل، ويتلامس مع البخار الصاعد، مما يؤدي إلى تبريد البخار وتكثيف المكونات الأثقل فيه، بينما يتم تبخير المكونات الأخف من السائل النازل. هذه العملية المتكررة من التبخير والتكثيف على كل صينية تحسن من كفاءة الفصل بشكل كبير.

المنتجات (القطفات) الرئيسية

يتم سحب المنتجات من ارتفاعات مختلفة على طول البرج:

  • من قمة البرج: غازات غير متكثفة (Off-gas) وغاز البترول المسال (LPG)، والنافثا الخفيفة (Light Naphtha).
  • من الأجزاء العلوية: النافثا الثقيلة (Heavy Naphtha).
  • من الأجزاء الوسطى: الكيروسين (Kerosene) ووقود الطائرات (Jet Fuel).
  • من الأجزاء السفلية: زيت الغاز الخفيف أو الديزل (Light Gas Oil / Diesel).
  • من قاع البرج: البقايا الجوية (Atmospheric Residue) أو (Topped Crude)، وهو الجزء الأثقل الذي لم يتبخر.

التقطير الفراغي (Vacuum Distillation)

البقايا الجوية الخارجة من قاع برج التقطير الجوي لا تزال تحتوي على هيدروكربونات قيمة وثقيلة (مثل زيوت التشحيم وزيوت الغاز الثقيلة). لا يمكن فصل هذه المكونات عن طريق زيادة درجة الحرارة عند الضغط الجوي، لأنها ستتحلل حراريًا (thermal cracking) وتتحول إلى فحم وكوك قبل أن تصل إلى درجة غليانها.

الحل هو إجراء التقطير عند ضغط منخفض جدًا (فراغ). وفقًا لمبادئ الديناميكا الحرارية، فإن خفض الضغط يؤدي إلى خفض درجة غليان السوائل. وحدة التقطير الفراغي (Vacuum Distillation Unit - VDU) تستغل هذه الظاهرة لفصل البقايا الجوية دون تعريضها لدرجات حرارة تؤدي إلى تحللها.

مراحل العملية

تشبه العملية التقطير الجوي، ولكن مع اختلافات رئيسية:

  1. التسخين: يتم تسخين البقايا الجوية في فرن إلى درجة حرارة تصل إلى حوالي 400-420 درجة مئوية.
  2. التقطير تحت الفراغ: يتم إدخال الخليط الساخن إلى برج التقطير الفراغي، الذي يكون أكبر قطرًا بكثير من البرج الجوي لتعويض الكثافة المنخفضة للأبخرة عند الضغط المنخفض. يتم الحفاظ على ضغط منخفض جدًا داخل البرج (حوالي 10-50 ملم زئبق مطلق) باستخدام نظام من قاذفات البخار (Steam Ejectors) أو مضخات التفريغ الميكانيكية.
  3. الفصل: بسبب الضغط المنخفض، تتبخر الهيدروكربونات الثقيلة عند درجات حرارة أقل من درجة حرارة تحللها. يتم فصلها إلى قطفات مختلفة بنفس آلية التقطير في البرج الجوي.

المنتجات الرئيسية

  • زيت الغاز الفراغي الخفيف (Light Vacuum Gas Oil - LVGO) وزيت الغاز الفراغي الثقيل (Heavy Vacuum Gas Oil - HVGO): هذه هي المنتجات الرئيسية لوحدة التقطير الفراغي. وهي مواد أولية ممتازة لوحدات التحويل مثل التكسير الحفزي المائع (FCC) والتكسير الهيدروجيني (Hydrocracking).
  • البقايا الفراغية (Vacuum Residue): هو أثقل جزء متبقٍ في المصفاة. يمكن استخدامه لإنتاج الأسفلت (Bitumen)، أو كوقود ثقيل للسفن، أو يمكن معالجته في وحدات تحويل عميقة مثل وحدات التفحيم المتأخر (Delayed Coking) لإنتاج المزيد من المنتجات الخفيفة.
رسم تخطيطي يوضح وحدة التقطير الجوي (ADU) ووحدة التقطير الفراغي (VDU) وتدفقهما المتسلسل.
رسم تخطيطي يوضح وحدة التقطير الجوي (ADU) ووحدة التقطير الفراغي (VDU) وتدفقهما المتسلسل.

عمليات التحويل الكيميائي

بعد فصل النفط الخام إلى قطفات مختلفة، تظهر مشكلة اقتصادية: الطلب في السوق على المنتجات الخفيفة عالية القيمة (مثل الجازولين) أكبر بكثير من الكمية التي يمكن الحصول عليها مباشرة من التقطير. في المقابل، يكون العائد من المنتجات الثقيلة منخفضة القيمة (مثل زيت الوقود الثقيل) أكبر من الطلب. عمليات التحويل (Conversion Processes) هي الحل الهندسي لهذه المشكلة. تهدف هذه العمليات إلى تغيير التركيب الجزيئي للهيدروكربونات، عادةً عن طريق تكسير الجزيئات الكبيرة والثقيلة إلى جزيئات أصغر وأخف وأكثر قيمة.

عمليات التكسير (Cracking Processes)

التكسير هو المصطلح العام لجميع العمليات التي يتم فيها تكسير الروابط الكربونية (C-C) في الجزيئات الهيدروكربونية الكبيرة باستخدام الحرارة والضغط، وأحيانًا بمساعدة عامل حفاز.

التكسير الحراري (Thermal Cracking)

هو أقدم أشكال التكسير ويعتمد فقط على تطبيق درجات حرارة وضغوط عالية. الآلية الأساسية هي تكوين الجذور الحرة (free radicals) التي تؤدي إلى سلسلة من تفاعلات الانشطار. العمليتان الرئيسيتان للتكسير الحراري المستخدمتان اليوم هما:

  • تكسير اللزوجة (Visbreaking): عملية تكسير حراري خفيفة تطبق على البقايا الجوية أو الفراغية. الهدف الرئيسي ليس إنتاج الجازولين، بل تقليل لزوجة البقايا الثقيلة لإنتاج زيت وقود سائل مستقر يلبي مواصفات السوق، بدلاً من بيعه كمنتج شبه صلب. يتم تسخين المادة الخام في فرن إلى حوالي 450-500 درجة مئوية تحت ضغط، ثم يتم إخماد التفاعل (quenching) بسرعة لمنع التكسير المفرط وتكوين الكوك.
  • التفحيم (Coking): عملية تكسير حراري شديدة تطبق على البقايا الفراغية (vacuum residue) لتحويلها بالكامل تقريبًا إلى منتجات أخف ومنتج ثانوي صلب يسمى فحم البترول (petroleum coke). العملية الأكثر شيوعًا هي التفحيم المتأخر (Delayed Coking). يتم تسخين البقايا بسرعة في فرن إلى حوالي 500 درجة مئوية وتمريرها إلى أسطوانة ضخمة تسمى (coke drum)، حيث يبقى الخليط لفترة كافية (متأخرة) لحدوث تفاعلات التكسير وتكوين الكوك. تتكون المنتجات من غازات، نافثا، ديزل، وزيت غاز، بالإضافة إلى الكوك الصلب الذي يملأ الأسطوانة. تعمل الوحدة بزوج من الأسطوانات، حيث تكون إحداهما في مرحلة الملء والتفاعل بينما يتم تفريغ الكوك من الأخرى باستخدام قواطع مائية عالية الضغط.

التكسير الحفزي (Catalytic Cracking)

يعتبر التكسير الحفزي، وخاصة التكسير الحفزي المائع (Fluid Catalytic Cracking - FCC)، أحد أهم العمليات في المصفاة الحديثة لإنتاج الجازولين. يستخدم عاملًا حفازًا (catalyst) صلبًا ومسحوقًا ناعمًا لتسريع تفاعلات التكسير عند درجات حرارة أقل من التكسير الحراري، مما يؤدي إلى انتقائية أعلى نحو إنتاج الجازولين عالي الأوكتان.

تكمن عبقرية عملية الـ FCC في تصميمها الذي يسمح بتداول مستمر للعامل الحفاز بين المفاعل والمنشط، مما يجعلها عملية مستمرة وفعالة للغاية.

  • المادة الخام (Feedstock): عادةً ما تكون زيت الغاز الفراغي (VGO).
  • العامل الحفاز: مسحوق ناعم من الزيوليت (Zeolite)، وهو مركب ألومينوسيليكات بلوري يتميز بمسامية عالية وحمضية سطحية قوية، مما يجعله فعالًا جدًا في تكسير الهيدروكربونات.
  • آلية التشغيل:
    1. يتم تسخين المادة الخام ومزجها مع العامل الحفاز الساخن القادم من المنشط (regenerator) في أنبوب صاعد يسمى (riser). تحدث معظم تفاعلات التكسير في هذا الأنبوب في غضون ثوانٍ قليلة عند درجة حرارة حوالي 500-550 درجة مئوية.
    2. في المفاعل (Reactor)، يتم فصل المنتجات الغازية عن العامل الحفاز باستخدام أعاصير دوامية (cyclones).
    3. أثناء التفاعل، يترسب الكوك على سطح العامل الحفاز، مما يقلل من فعاليته. يتم إرسال هذا العامل الحفاز "المستهلك" (spent catalyst) إلى المنشط (Regenerator).
    4. في المنشط، يتم حرق الكوك عن سطح العامل الحفاز باستخدام الهواء عند درجة حرارة حوالي 650-750 درجة مئوية. هذه العملية لا تنظف العامل الحفاز فحسب، بل إنها عملية طاردة للحرارة وتوفر الطاقة اللازمة لتسخين المادة الخام ودفع تفاعلات التكسير (endothermic).
    5. يعاد العامل الحفاز المنشَّط والساخن إلى الأنبوب الصاعد ليتفاعل مع مادة خام جديدة، وهكذا تستمر الدورة.
  • المنتجات: المنتج الرئيسي هو جازولين FCC الذي يتميز برقم أوكتان مرتفع. تشمل المنتجات الأخرى غاز البترول المسال (LPG) الذي يحتوي على نسبة عالية من الأوليفينات (olefins) مثل البروبيلين والبيوتيلين (وهي مواد أولية هامة للبتروكيماويات وعمليات الألكلة)، وزيت الدورة الخفيف (Light Cycle Oil - LCO)، وزيت الدورة الثقيل (Heavy Cycle Oil - HCO) أو (Slurry Oil).

التكسير الهيدروجيني (Hydrocracking)

التكسير الهيدروجيني (Hydrocracking) هو عملية تحويل تجمع بين التكسير الحفزي والمعالجة الهيدروجينية. يتم إجراؤها عند ضغوط عالية جدًا من الهيدروجين (تصل إلى 200 بار) ودرجات حرارة متوسطة (350-450 درجة مئوية) باستخدام عامل حفاز ثنائي الوظيفة (bifunctional catalyst) يحتوي على مواقع حمضية للتكسير (مثل الزيوليت) ومواقع فلزية للهدرجة (مثل النيكل-الموليبدينوم أو النيكل-التنجستن).

  • المميزات:
    • مرونة عالية في المواد الخام: يمكنها معالجة مواد خام صعبة وعطرية لا تصلح لوحدة الـ FCC، مثل زيوت الدورة من الـ FCC أو البقايا الجوية.
    • جودة منتجات فائقة: تنتج منتجات مشبعة بالكامل (لا تحتوي على أوليفينات) وخالية تمامًا من الكبريت والنيتروجين. وهي العملية المفضلة لإنتاج وقود النفاثات عالي الجودة والديزل الممتاز (premium diesel) ذي رقم السيتان المرتفع والمحتوى الكبريتي المنخفض جدًا (Ultra-Low Sulfur Diesel - ULSD).
    • عائد مرتفع: يمكنها تحويل 100% من المادة الخام إلى منتجات أخف.
  • العيوب: تكلفة استثمارية وتشغيلية عالية جدًا بسبب الضغوط المرتفعة، واستهلاك كميات كبيرة من الهيدروجين، والعوامل الحفازة باهظة الثمن.

مقارنة بين التكسير الحفزي المائع (FCC) والتكسير الهيدروجيني (Hydrocracking)
الخاصية التكسير الحفزي المائع (FCC) التكسير الهيدروجيني (Hydrocracking)
الهدف الرئيسي إنتاج أقصى كمية من الجازولين عالي الأوكتان إنتاج أقصى كمية من المقطرات المتوسطة (وقود نفاثات، ديزل)
المادة الخام زيت الغاز الفراغي (VGO) مواد خام متنوعة وصعبة (VGO، زيوت دورة، بقايا)
الضغط منخفض (1-2 بار) مرتفع جدًا (100-200 بار)
الحرارة مرتفعة (500-550 درجة مئوية) متوسطة (350-450 درجة مئوية)
العامل الحفاز زيوليت حمضي ثنائي الوظيفة (حمضي + فلزي)
استخدام الهيدروجين لا يوجد استهلاك كبير
جودة الجازولين أوكتان مرتفع، يحتوي على أوليفينات وأروماتيات أوكتان متوسط، مشبع (برافيني ونفثيني)
جودة الديزل منخفضة (رقم سيتان منخفض، غير مستقر) ممتازة (رقم سيتان مرتفع، مستقر، خالٍ من الكبريت)

إعادة التشكيل الحفزي (Catalytic Reforming)

تهدف عملية إعادة التشكيل الحفزي إلى زيادة رقم الأوكتان للنافثا الثقيلة (من وحدة التقطير الجوي) لتحويلها إلى مكون مزج جازولين عالي الجودة يسمى "الريفورمات" (Reformate). بالإضافة إلى ذلك، تعتبر هذه الوحدة المصدر الرئيسي لإنتاج الهيدروجين في المصفاة، والذي يستخدم في عمليات المعالجة الهيدروجينية والتكسير الهيدروجيني.

  • المادة الخام: نافثا ثقيلة معالجة هيدروجينيًا لإزالة الكبريت والنيتروجين اللذين يسممان العامل الحفاز.
  • العامل الحفاز: عامل حفاز ثنائي الوظيفة يحتوي على فلز نبيل (عادة البلاتين Platinum، وأحيانًا مع الرينيوم Rhenium) على دعامة من الألومينا الحمضية (acidic alumina).
  • التفاعلات الكيميائية الرئيسية: تحدث سلسلة من التفاعلات عند درجات حرارة عالية (حوالي 500 درجة مئوية) وضغوط منخفضة إلى متوسطة، وجميعها تنتج الهيدروجين:
    • نزع الهيدروجين من النفثينات (Dehydrogenation of Naphthenes): تحويل النفثينات (مثل السيكلوهكسان) إلى أروماتيات (مثل البنزين). هذا هو التفاعل الأسرع والأكثر أهمية لزيادة الأوكتان.
    • أزمرة البرافينات (Isomerization of Paraffins): تحويل البرافينات ذات السلسلة المستقيمة إلى متفرعة، مما يرفع رقم الأوكتان.
    • نزع الهيدروجين الحلقي للبرافينات (Dehydrocyclization of Paraffins): تحويل البرافينات إلى أروماتيات، وهو تفاعل أبطأ ولكنه يساهم بشكل كبير في زيادة الأوكتان.
  • تصميم الوحدة: نظرًا لأن التفاعلات الرئيسية ماصة للحرارة (endothermic)، يتم تنفيذ العملية عادةً في سلسلة من ثلاثة أو أربعة مفاعلات (reactors) مع وجود أفران تسخين بينها لإعادة رفع درجة حرارة المادة الخام. الوحدات الحديثة تستخدم تقنية التنشيط المستمر للعامل الحفاز (Continuous Catalyst Regeneration - CCR)، حيث يتم سحب العامل الحفاز بشكل مستمر من المفاعلات وتنشيطه في وحدة منفصلة وإعادته، مما يسمح بالتشغيل عند ظروف قاسية (ضغط منخفض) لزيادة العائد.

عمليات تحويل أخرى

  • الألكلة (Alkylation): هي عملية يتم فيها دمج الأوليفينات الخفيفة (مثل البروبيلين والبيوتيلين من وحدة الـ FCC) مع الأيزوبرافينات (isoparaffins) (عادة الأيزوبيوتان) لإنتاج مركب يسمى "الألكيلات" (Alkylate). الألكيلات هو مكون جازولين مثالي، حيث يتميز برقم أوكتان مرتفع جدًا، وحساسية منخفضة (الفرق بين رقم أوكتان البحث ورقم أوكتان المحرك)، وضغط بخار منخفض، ولا يحتوي على أوليفينات أو أروماتيات، مما يجعله وقودًا نظيفًا جدًا. تتم العملية عند درجات حرارة منخفضة باستخدام عامل حفاز سائل، إما حمض الكبريتيك المركز (Sulfuric Acid) أو حمض الهيدروفلوريك (Hydrofluoric Acid).
  • الأزمرة (Isomerization): تهدف هذه العملية إلى تحويل البرافينات الخفيفة ذات السلسلة المستقيمة ورقم الأوكتان المنخفض (مثل n-pentane و n-hexane الموجودة في النافثا الخفيفة) إلى نظائرها المتفرعة (isomers) ذات رقم الأوكتان الأعلى (isopentane و isohexane). يتم ذلك باستخدام عامل حفاز بلاتيني على دعامة كلورية أو زيوليتية. الناتج، المسمى "الأيزوميرات" (Isomerate)، هو مكون مزج جازولين ممتاز ونظيف.

عمليات المعالجة والتنقية

المنتجات الخارجة من وحدات الفصل والتحويل لا تزال تحتوي على شوائب ومركبات غير مرغوب فيها، مثل الكبريت والنيتروجين والمركبات غير المستقرة. عمليات المعالجة (Treating Processes) ضرورية لإزالة هذه الشوائب من أجل:

  • الامتثال للمواصفات القياسية للمنتجات واللوائح البيئية الصارمة (مثل متطلبات الوقود النظيف).
  • تحسين استقرار المنتجات ومنع تدهور جودتها أثناء التخزين.
  • حماية العوامل الحفازة في الوحدات اللاحقة (مثل وحدة إعادة التشكيل الحفزي) من التسمم.
  • تقليل تآكل المعدات.

المعالجة الهيدروجينية (Hydrotreating)

المعالجة الهيدروجينية هي العملية الأكثر شيوعًا وأهمية في فئة المعالجة. يتم فيها تعريض المادة الخام (سواء كانت نافثا، كيروسين، ديزل، أو زيت غاز) لظروف من الحرارة والضغط في وجود الهيدروجين وعامل حفاز. الهدف هو تحويل الشوائب إلى مركبات يمكن فصلها بسهولة.

  • العامل الحفاز: عادة ما يكون أساسه الكوبالت-الموليبدينوم (CoMo) لإزالة الكبريت (HDS) أو النيكل-الموليبدينوم (NiMo) لإزالة النيتروجين والكبريت معًا (HDN/HDS).
  • التفاعلات الكيميائية:
    • نزع الكبريت المهدرج (Hydrodesulfurization - HDS): يتم تحويل مركبات الكبريت العضوية إلى كبريتيد الهيدروجين ($H_2S$) وهيدروكربونات. مثال: $$ \text{R-SH} + H_2 \rightarrow \text{R-H} + H_2S $$
    • نزع النيتروجين المهدرج (Hydrodenitrogenation - HDN): يتم تحويل مركبات النيتروجين العضوية إلى أمونيا ($NH_3$) وهيدروكربونات.
    • نزع الأكسجين المهدرج (Hydrodeoxygenation - HDO): تحويل المركبات الأكسجينية إلى ماء ($H_2O$).
    • نزع الفلزات المهدرج (Hydrodemetallization - HDM): ترسيب الفلزات (مثل الفاناديوم والنيكل) على العامل الحفاز.
    • هدرجة الأوليفينات والأروماتيات (Saturation): يتم تشبيع الروابط المزدوجة في الأوليفينات والأروماتيات، مما يحسن من استقرار المنتج.
  • التطبيق: توجد وحدات معالجة هيدروجينية متعددة في المصفاة، كل منها مصمم لتيار معين. على سبيل المثال، وحدة معالجة النافثا قبل إرسالها إلى وحدة إعادة التشكيل، ووحدة معالجة الديزل لإنتاج ديزل ذي محتوى كبريتي منخفض جدًا (ULSD).
وحدة المعالجة الهيدروجينية (Hydrotreater)
وحدة المعالجة الهيدروجينية (Hydrotreater).

إزالة الكبريت ومعالجته

ينتج عن عمليات المعالجة الهيدروجينية كميات كبيرة من كبريتيد الهيدروجين ($H_2S$)، وهو غاز سام ومسبب للتآكل. يجب معالجة هذا الغاز وتحويله إلى شكل آمن ومستقر، وهو الكبريت العنصري.

وحدات استخلاص الكبريت (Sulfur Recovery Units - SRU)

العملية الأكثر استخدامًا لتحويل $H_2S$ إلى كبريت هي عملية كلاوس (Claus Process). تتم هذه العملية على مرحلتين:

  1. المرحلة الحرارية (Thermal Stage): يتم حرق ثلث كمية $H_2S$ الداخلة مع الهواء في فرن عند درجة حرارة عالية (أكثر من 1000 درجة مئوية) لإنتاج ثاني أكسيد الكبريت ($SO_2$). $$ 2 H_2S + 3 O_2 \rightarrow 2 SO_2 + 2 H_2O $$
  2. المرحلة الحفزية (Catalytic Stage): يتم بعد ذلك تفاعل الـ $SO_2$ الناتج مع الثلثين المتبقيين من $H_2S$ في سلسلة من المفاعلات الحفزية (باستخدام الألومينا كعامل حفاز) عند درجات حرارة أقل لإنتاج الكبريت العنصري. $$ 2 H_2S + SO_2 \rightleftharpoons 3 S + 2 H_2O $$ يتم تكثيف الكبريت السائل وفصله بعد كل مفاعل. يمكن أن تصل كفاءة التحويل في وحدة كلاوس النموذجية إلى 95-98%.

معالجة غاز الذيل (Tail Gas Treatment)

الغازات الخارجة من وحدة كلاوس (غاز الذيل) لا تزال تحتوي على مركبات كبريتية لم يتم تحويلها. لتلبية اللوائح البيئية الصارمة التي تتطلب كفاءة استخلاص كبريت إجمالية تزيد عن 99.9%، يجب معالجة هذا الغاز في وحدة معالجة غاز الذيل (Tail Gas Treatment Unit - TGTU). العملية الأكثر شيوعًا هي عملية SCOT (Shell Claus Off-gas Treating)، حيث يتم أولاً هدرجة جميع مركبات الكبريت في غاز الذيل مرة أخرى إلى $H_2S$، ثم يتم امتصاص الـ $H_2S$ باستخدام مذيب أميني (amine solvent) وإعادته إلى مدخل وحدة كلاوس.

عمليات معالجة أخرى

  • التحلية (Sweetening): هي عمليات تهدف إلى إزالة أو تحويل المركبتانات (mercaptans)، وهي مركبات كبريتية ذات رائحة كريهة ومسببة للتآكل، من منتجات مثل الكيروسين وغاز البترول المسال. عملية ميروكس (Merox process) هي مثال شائع، حيث يتم أكسدة المركبتانات إلى مركبات ثنائي الكبريتيد (disulfides) الأقل ضررًا.
  • معالجة الغازات بالأمين (Amine Treating): تستخدم هذه العملية محلولًا مائيًا من الأمينات (مثل MDEA أو DEA) لإزالة الغازات الحمضية ($H_2S$ و $CO_2$) من تيارات الغاز المختلفة في المصفاة، مثل غاز الوقود وغاز البترول المسال. يتم امتصاص الغازات الحمضية في المحلول الأميني في برج امتصاص، ثم يتم تسخين المحلول في برج آخر لتحرير الغازات الحمضية (التي ترسل إلى وحدة استخلاص الكبريت) وتنشيط الأمين لإعادة استخدامه.

عمليات المزج والمنتجات النهائية

المرحلة النهائية في عمليات تصفية النفط هي المزج (Blending). المنتجات النهائية التي يتم بيعها للمستهلكين، وخاصة وقود النقل، ليست ناتجة مباشرة من وحدة عمليات واحدة، بل هي عبارة عن خليط دقيق ومحسوب من عدة مكونات وسيطة (blendstocks) يتم إنتاجها في جميع أنحاء المصفاة. الهدف من عملية المزج هو إنتاج منتج نهائي يلبي جميع المواصفات القياسية المطلوبة (مثل ASTM أو ISO) بأقل تكلفة ممكنة.

مزج الجازولين (Gasoline Blending)

يعد مزج الجازولين عملية معقدة للغاية، حيث يجب تلبية عشرات المواصفات في وقت واحد. المكونات الرئيسية التي تدخل في خليط الجازولين تشمل:

  • الريفورمات (Reformate): من وحدة إعادة التشكيل الحفزي، وهو المصدر الرئيسي للأوكتان والأروماتيات.
  • الألكيلات (Alkylate): من وحدة الألكلة، وهو مكون عالي الأوكتان ونظيف جدًا.
  • جازولين التكسير الحفزي (FCC Gasoline): من وحدة الـ FCC، يوفر كمية كبيرة من الأوكتان ولكنه يحتوي على الكبريت والأوليفينات.
  • الأيزوميرات (Isomerate): من وحدة الأزمرة، مكون نظيف ذو أوكتان متوسط.
  • النافثا الخفيفة المعالجة (Hydrotreated Light Naphtha): ذات أوكتان منخفض ولكنها ضرورية لضبط ضغط البخار.
  • البيوتان (Butanes): يستخدم لضبط ضغط البخار (Reid Vapor Pressure - RVP) وفقًا للموسم (أعلى في الشتاء لسهولة بدء تشغيل المحرك، وأقل في الصيف لتقليل الانبعاثات التبخرية).
  • المواد المضافة (Additives): يتم إضافة كميات صغيرة من المواد الكيميائية لتحسين أداء الوقود، مثل مضادات الأكسدة، مانعات التآكل، المنظفات، ومحسنات الأوكتان (مثل MTBE أو الإيثانول في بعض البلدان).

تتم عملية المزج باستخدام أنظمة حاسوبية متقدمة تقوم بحل معادلات خطية وغير خطية لتحسين الخليط بناءً على توافر المكونات، وتكلفتها، والمواصفات النهائية المطلوبة، وأهمها رقم الأوكتان (Octane Number) الذي يقيس مقاومة الوقود للطرق (knocking) في المحرك.

مزج الديزل وزيوت الوقود

يشبه مزج الديزل مزج الجازولين من حيث المبدأ، ولكنه يركز على مواصفات مختلفة. المكونات الرئيسية تشمل:

  • المقطرات المعالجة هيدروجينيًا (Hydrotreated distillates): من وحدات التقطير والمعالجة الهيدروجينية، وتشكل الجزء الأكبر من خليط الديزل.
  • زيت الدورة الخفيف (LCO): من وحدة الـ FCC، يمكن استخدامه بكميات محدودة لأنه ذو رقم سيتان منخفض.
  • الكيروسين: يمكن إضافته لتحسين خصائص التدفق في الطقس البارد.

المواصفات الرئيسية للديزل تشمل:

  • رقم السيتان (Cetane Number): يقيس جودة اشتعال الوقود (عكس الأوكتان).
  • محتوى الكبريت: يخضع لقيود صارمة جدًا (ULSD).
  • الكثافة واللزوجة.
  • خصائص التدفق البارد (Cold Flow Properties): مثل نقطة الغيم (Cloud Point) ونقطة الانصباب (Pour Point)، وهي حيوية للتشغيل في المناخات الباردة.

المنتجات البترولية الأخرى

بالإضافة إلى وقود النقل، تنتج المصافي مجموعة واسعة من المنتجات الأخرى، منها:

  • غاز البترول المسال (LPG): خليط من البروبان والبيوتان، يستخدم كوقود للطهي والتدفئة وكمادة أولية للبتروكيماويات.
  • وقود الطائرات (Jet Fuel / Kerosene): منتج يتطلب مواصفات صارمة جدًا تتعلق بالنقاوة ونقطة التجمد.
  • زيوت التشحيم (Lubricating Oils): يتم إنتاجها من قطفات فراغية معينة تخضع لعمليات معالجة خاصة لإزالة الأروماتيات والشموع.
  • الأسفلت (Asphalt / Bitumen): ينتج من البقايا الفراغية، ويستخدم في رصف الطرق والعزل المائي.
  • فحم البترول (Petroleum Coke): ينتج من وحدات التفحيم، ويستخدم كوقود في صناعات الأسمنت والطاقة أو في صناعة الأقطاب الكهربائية بعد تكليسه.
  • المواد الأولية للبتروكيماويات (Petrochemical Feedstocks): مثل الإيثان، البروبان، البيوتان، والنافثا التي ترسل إلى وحدات التكسير بالبخار (Steam Crackers) لإنتاج الأوليفينات (الإيثيلين، البروبيلين)؛ والأروماتيات (البنزين، التولوين، الزيلين) التي تستخدم لإنتاج البلاستيك والألياف الصناعية والمطاط.

المصادر

  • Gary, J. H., Handwerk, G. E., & Kaiser, M. J. (2007). Petroleum Refining: Technology and Economics (5th ed.). CRC Press.
  • Speight, J. G. (2014). The Chemistry and Technology of Petroleum (5th ed.). CRC Press.
  • Meyers, R. A. (Ed.). (2003). Handbook of Petroleum Refining Processes (3rd ed.). McGraw-Hill.
  • Wauquier, J. P. (Ed.). (1995). Petroleum Refining. Editions Technip.
  • American Petroleum Institute (API). (n.d.). Refining Processes. Retrieved from https://www.api.org/oil-and-natural-gas/wells-to-consumer/refining/refinery-processes
  • U.S. Energy Information Administration (EIA). (n.d.). Refining Crude Oil. Retrieved from https://www.eia.gov/energyexplained/oil-and-petroleum-products/refining-crude-oil.php

اقرأ أيضًا