مراحل كبس الغاز الطبيعي: دليل هندسي شامل لعمليات الضغط وأنواع الضواغط
يُعد الغاز الطبيعي (Natural Gas) حجر الزاوية في مزيج الطاقة العالمي، حيث يلعب دورًا محوريًا في توليد الكهرباء، والعمليات الصناعية، والتدفئة المنزلية. ولكن للاستفادة من هذا المورد الهيدروكربوني الثمين، يجب نقله من مكامن الإنتاج البعيدة إلى مراكز الاستهلاك، وغالبًا ما يتطلب ذلك معالجة معقدة. إن عملية بس الغاز الطبيعي (Natural Gas Compression) هي العملية الهندسية الحيوية التي تجعل كل هذا ممكنًا. فبدون رفع ضغط الغاز، يصبح نقله عبر آلاف الكيلومترات من خطوط الأنابيب، أو تخزينه تحت الأرض، أو معالجته لاستخلاص السوائل القيمة، أمرًا مستحيلًا. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل هندسي شامل ومتعمق لمراحل وعمليات كبس الغاز الطبيعي، مستعرضًا المبادئ الفيزيائية الحاكمة، وأنواع الضواغط المستخدمة، والأنظمة المساعدة التي تضمن التشغيل الفعال والآمن. سنتناول بالتفصيل الفروقات الجوهرية بين الضواغط موجبة الإزاحة والضواغط الديناميكية، ونستكشف تطبيقاتها المتنوعة بدءًا من حقول التجميع وصولًا إلى محطات إسالة الغاز العملاقة، مما يجعل هذا الدليل مرجعًا متكاملًا للمهندسين والطلاب والمختصين في قطاع النفط والغاز.
I. المبادئ الأساسية لضغط الغاز (Fundamental Principles of Gas Compression)
تستند عملية ضغط الغاز على مجموعة من المبادئ الفيزيائية والديناميكية الحرارية التي تحكم سلوك الموائع القابلة للانضغاط. إن فهم هذه المبادئ ليس مجرد ضرورة أكاديمية، بل هو أساس التصميم والتشغيل والصيانة الفعالة لأنظمة الضغط. يتضمن ضغط الغاز إضافة طاقة إليه لتقليل حجمه، وبالتالي زيادة ضغطه ودرجة حرارته. هذه العلاقة المترابطة بين الضغط (Pressure)، الحجم (Volume)، ودرجة الحرارة (Temperature) هي جوهر عملية الضغط.
1.1. الديناميكا الحرارية لضغط الغاز (Thermodynamics of Gas Compression)
تخضع عملية ضغط الغاز للقانون الأول للديناميكا الحرارية، الذي ينص على أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، بل تتحول من شكل إلى آخر. في سياق الضاغط، يتم تحويل الشغل الميكانيكي (Work) المبذول على الغاز إلى زيادة في طاقته الداخلية (Internal Energy)، والتي تظهر على شكل ارتفاع في درجة الحرارة والضغط، مع وجود فقدان للحرارة (Heat) إلى البيئة المحيطة.
يمكن نمذجة سلوك الغاز باستخدام قوانين الغازات. أبسط هذه النماذج هو قانون الغاز المثالي (Ideal Gas Law):
$$ PV = nRT $$حيث:
- $P$ هو الضغط المطلق (Absolute Pressure).
- $V$ هو الحجم (Volume).
- $n$ هو عدد مولات الغاز (Number of moles).
- $R$ هو ثابت الغازات العام (Universal Gas Constant).
- $T$ هي درجة الحرارة المطلقة (Absolute Temperature).
ومع ذلك، فإن الغاز الطبيعي عند الضغوط ودرجات الحرارة العالية التي تواجهها الضواغط لا يتصرف كغاز مثالي. تتسبب القوى بين الجزيئات وحجم الجزيئات نفسها في انحراف سلوكه. لذلك، يتم استخدام قانون الغاز الحقيقي (Real Gas Law) الذي يُدخل معامل الانضغاطية (Compressibility Factor)، أو ما يُعرف بـ Z-factor:
$$ PV = znRT $$إن معامل الانضغاطية ($z$) هو عامل تصحيح لا بُعدي يعبر عن مدى انحراف الغاز الحقيقي عن السلوك المثالي. يعتمد هذا المعامل بشكل كبير على تركيب الغاز، وضغطه، ودرجة حرارته. وتعتبر الحسابات الدقيقة لمعامل الانضغاطية حاسمة لتصميم الضواغط وتقدير متطلبات الطاقة بشكل صحيح.
توجد ثلاثة مسارات ديناميكية حرارية رئيسية لوصف عملية الضغط:
- الضغط متساوي الحرارة (Isothermal Compression): في هذه العملية النظرية، يتم إزالة الحرارة الناتجة عن الضغط بشكل مستمر للحفاظ على درجة حرارة الغاز ثابتة. يمثل هذا المسار أقل قدر من الشغل المطلوب لضغط الغاز بين ضغطين محددين، ولكنه غير قابل للتحقيق عمليًا لأنه يتطلب تبريدًا لا نهائيًا.
- الضغط الكظوم (Adiabatic Compression): في هذه العملية النظرية، يُفترض عدم وجود أي تبادل حراري بين الغاز والبيئة المحيطة (النظام معزول تمامًا). كل الشغل المبذول يتحول إلى زيادة في الطاقة الداخلية للغاز، مما يؤدي إلى أقصى ارتفاع ممكن في درجة الحرارة. يمثل هذا المسار أكبر قدر من الشغل المطلوب.
- الضغط متعدد الاتجاه (Polytropic Compression): هذا هو النموذج الأكثر واقعية الذي يصف عملية الضغط الفعلية في الضواغط. في هذه العملية، يحدث بعض التبادل الحراري بين الغاز وجدران الأسطوانة أو الغلاف، لكنه لا يكفي للحفاظ على درجة حرارة ثابتة ولا هو منعدم تمامًا. تقع هذه العملية بين المسارين متساوي الحرارة والكظوم. يتم وصفها بالمعادلة $PV^n = \text{constant}$، حيث $n$ هو الأس متعدد الاتجاه (Polytropic Exponent)، وتتراوح قيمته بين 1 (للحالة متساوية الحرارة) و $k$ (للحالة الكظومية)، حيث $k$ هي نسبة الحرارات النوعية.
يتم حساب الشغل المطلوب لعملية الضغط متعدد الاتجاه (Polytropic Work) باستخدام المعادلة التالية:
$$ W_{poly} = \frac{n}{n-1} P_1 V_1 \left[ \left( \frac{P_2}{P_1} \right)^{\frac{n-1}{n}} - 1 \right] $$هذه المعادلة أساسية في تحديد القدرة الحصانية (Horsepower) المطلوبة للضاغط، حيث تمثل $P_1$ و $P_2$ ضغط السحب والتصريف على التوالي، و $V_1$ هو حجم الغاز عند السحب.
1.2. الخصائص الرئيسية للغاز الطبيعي المؤثرة على الضغط
تؤثر خصائص خليط الغاز الطبيعي بشكل مباشر على أداء الضاغط ومتطلبات الطاقة. تشمل أهم هذه الخصائص:
- تركيب الغاز (Gas Composition): يتكون الغاز الطبيعي بشكل أساسي من الميثان (CH₄)، مع كميات متفاوتة من الإيثان (C₂H₆)، والبروبان (C₃H₈)، والهيدروكربونات الأثقل، بالإضافة إلى الشوائب مثل ثاني أكسيد الكربون (CO₂)، وكبريتيد الهيدروجين (H₂S)، والنيتروجين (N₂). يؤثر التركيب على الوزن الجزيئي، والحرارة النوعية، ومعامل الانضغاطية للغاز.
- الوزن النوعي (Specific Gravity): هو نسبة كثافة الغاز إلى كثافة الهواء عند نفس الظروف القياسية. الغازات ذات الوزن النوعي الأعلى (الأثقل) تتطلب طاقة أكبر لضغطها.
- نسبة الحرارات النوعية (Ratio of Specific Heats, k): هي النسبة بين الحرارة النوعية عند ضغط ثابت ($C_p$) والحرارة النوعية عند حجم ثابت ($C_v$)، أي $k = C_p / C_v$. هذه القيمة حاسمة في تحديد درجة حرارة التصريف والشغل المطلوب للضغط. كلما زادت قيمة $k$، زاد ارتفاع درجة الحرارة لنفس نسبة الضغط.
- معامل الانضغاطية (Z-factor): كما ذكرنا سابقًا، هذا المعامل ضروري للحسابات الدقيقة. يمكن أن يؤدي تجاهله أو استخدام قيمة غير صحيحة إلى أخطاء كبيرة (تصل إلى 20-30%) في تقدير القدرة المطلوبة وتصميم المعدات.
1.3. نسبة الضغط ودرجة حرارة التصريف
يُعد مفهومان أساسيان في تشغيل أي ضاغط هما نسبة الضغط ودرجة حرارة التصريف الناتجة.
نسبة الضغط (Compression Ratio or Ratio of Compression, $r_c$) هي نسبة ضغط التصريف المطلق إلى ضغط السحب المطلق:
$$ r_c = \frac{P_d}{P_s} $$حيث $P_d$ هو ضغط التصريف المطلق و $P_s$ هو ضغط السحب المطلق.
عند ضغط الغاز، ترتفع درجة حرارته بشكل كبير. يمكن تقدير درجة حرارة التصريف (Discharge Temperature, $T_d$) باستخدام العلاقة التالية (بافتراض عملية كظومية لأسوأ سيناريو):
$$ T_d = T_s \left( \frac{P_d}{P_s} \right)^{\frac{k-1}{k}} = T_s (r_c)^{\frac{k-1}{k}} $$حيث $T_s$ هي درجة حرارة السحب المطلقة.
إن التحكم في درجة حرارة التصريف أمر بالغ الأهمية لعدة أسباب:
- حدود المواد: تمتلك مكونات الضاغط (الصمامات، الحلقات، مواد التشحيم) حدودًا قصوى لدرجة الحرارة لا يمكن تجاوزها دون حدوث تلف أو فشل.
- سلامة التشغيل: يمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة جدًا إلى مخاطر الاشتعال الذاتي (Auto-ignition) لخليط الغاز وزيت التزييت.
- الكفاءة: كلما ارتفعت درجة حرارة الغاز، زاد الشغل المطلوب لضغطه أكثر.
لهذه الأسباب، غالبًا ما يتم تحديد نسبة الضغط لكل مرحلة من مراحل الضاغط بحيث لا تتجاوز درجة حرارة التصريف قيمة محددة (على سبيل المثال، 150 درجة مئوية أو 300 درجة فهرنهايت). وعندما يكون إجمالي نسبة الضغط المطلوبة كبيرًا، يتم اللجوء إلى الضغط متعدد المراحل مع تبريد بيني، كما سيتم شرحه لاحقًا.
II. أنواع ضواغط الغاز الطبيعي (Types of Natural Gas Compressors)
تنقسم الضواغط المستخدمة في صناعة الغاز الطبيعي بشكل أساسي إلى فئتين رئيسيتين: الضواغط موجبة الإزاحة (Positive Displacement Compressors) والضواغط الديناميكية (Dynamic Compressors). يعتمد اختيار النوع المناسب على مجموعة من العوامل التشغيلية مثل معدل التدفق المطلوب، ونسبة الضغط، وظروف السحب والتصريف، والكفاءة، ومتطلبات الصيانة.
2.1. الضواغط موجبة الإزاحة (Positive Displacement Compressors)
تعمل هذه الضواغط عن طريق حجز حجم معين من الغاز في حيز مغلق، ثم تقليل هذا الحجم ميكانيكيًا لزيادة ضغط الغاز قبل تصريفه. تتميز هذه الفئة بقدرتها على تحقيق نسب ضغط عالية ومعدلات تدفق شبه ثابتة بغض النظر عن ضغط التصريف.
2.1.1. الضواغط الترددية (Reciprocating Compressors)
الضاغط الترددي هو النوع الأكثر شيوعًا وانتشارًا في العديد من تطبيقات الغاز الطبيعي. يشبه في مبدأ عمله محرك الاحتراق الداخلي، حيث يستخدم مكبسًا (Piston) يتحرك حركة ترددية داخل أسطوانة (Cylinder) لضغط الغاز.
مبدأ التشغيل:
- شوط السحب (Suction Stroke): يتحرك المكبس بعيدًا عن رأس الأسطوانة، مما يخلق ضغطًا منخفضًا داخلها. يؤدي هذا الفارق في الضغط إلى فتح صمام السحب (Suction Valve) والسماح للغاز بالتدفق إلى داخل الأسطوانة.
- شوط الضغط (Compression Stroke): عند نهاية شوط السحب، يغلق صمام السحب، ويبدأ المكبس في التحرك نحو رأس الأسطوانة، مما يقلل من حجم الغاز المحصور ويرفع ضغطه ودرجة حرارته.
- شوط التصريف (Discharge Stroke): عندما يصل ضغط الغاز داخل الأسطوانة إلى قيمة أعلى بقليل من ضغط خط التصريف، يُفتح صمام التصريف (Discharge Valve)، ويقوم المكبس بدفع الغاز المضغوط خارج الأسطوانة.
يمكن تصنيف الضواغط الترددية إلى:
- أحادية الفعل (Single-acting): حيث يتم ضغط الغاز على جانب واحد فقط من المكبس.
- مزدوجة الفعل (Double-acting): وهي الأكثر شيوعًا في التطبيقات الكبيرة، حيث يتم ضغط الغاز على كلا جانبي المكبس، مما يسمح بالضغط في كلا اتجاهي حركة المكبس ويزيد من سعة الضاغط.
المكونات الرئيسية:
- الإطار (Frame): الهيكل الرئيسي الذي يدعم المكونات المتحركة ويحتوي على زيت التزييت.
- عمود المرفق (Crankshaft): يحول الحركة الدورانية من المحرك إلى حركة ترددية.
- ذراع التوصيل (Connecting Rod): يربط بين عمود المرفق ورأس المكبس (Crosshead).
- رأس المكبس (Crosshead): يوجه الحركة الترددية الخطية لذراع المكبس.
- ذراع المكبس (Piston Rod): يربط بين رأس المكبس والمكبس نفسه.
- الأسطوانة (Cylinder): الحيز الذي يتم فيه ضغط الغاز.
- المكبس وحلقاته (Piston and Rings): يقوم بضغط الغاز ويمنع تسربه.
- الصمامات (Valves): صمامات السحب والتصريف التي تعمل تلقائيًا بناءً على فرق الضغط.
المزايا:
- قدرة على تحقيق نسب ضغط عالية جدًا لكل مرحلة.
- كفاءة عالية عبر نطاق واسع من الأحمال والسرعات.
- مناسبة لمعدلات التدفق المنخفضة إلى المتوسطة والضغوط العالية.
- مرونة في التعامل مع التغيرات في تركيب الغاز وظروف التشغيل.
العيوب:
- تدفق متقطع (Pulsating Flow)، مما يتطلب استخدام مخمدات النبض (Pulsation Dampeners).
- متطلبات صيانة عالية بسبب كثرة الأجزاء المتحركة (الصمامات، الحلقات).
- اهتزازات ميكانيكية كبيرة تتطلب أساسات قوية.
- بصمة مكانية (Footprint) كبيرة مقارنة بالأنواع الأخرى.
2.1.2. الضواغط اللولبية (Rotary Screw Compressors)
ينتمي هذا النوع أيضًا إلى فئة الإزاحة الموجبة، ولكنه يستخدم آلية دوارة بدلاً من الترددية. يتكون الضاغط اللولبي من دوّارين متشابكين (Rotors)، أحدهما ذكر (Male) والآخر أنثى (Female)، يدوران داخل غلاف محكم.
مبدأ التشغيل:
- يدخل الغاز من فتحة السحب ويملأ الفراغات بين فصوص الدوّارين.
- أثناء دوران الدوّارين، يتم حجز الغاز في هذه الفراغات ونقله على طول المحور.
- يتقلص حجم الفراغات تدريجيًا مع تقدم الغاز، مما يؤدي إلى ضغطه.
- يتم تصريف الغاز المضغوط عند وصوله إلى فتحة التصريف في الطرف الآخر.
المزايا:
- تدفق مستمر وخالٍ من النبضات.
- حجم مدمج واهتزازات منخفضة.
- تكاليف تركيب أقل.
- موثوقية عالية وصيانة أقل مقارنة بالضواغط الترددية.
العيوب:
- نسبة ضغط محدودة لكل مرحلة.
- كفاءة أقل من الضواغط الترددية، خاصة عند الأحمال الجزئية.
- حساسية عالية للشوائب والسوائل في الغاز.
تُستخدم الضواغط اللولبية بشكل شائع في تطبيقات مثل تعزيز ضغط غاز الوقود، ووحدات استرداد البخار (Vapor Recovery Units)، وتجميع الغاز عند الضغوط المنخفضة.
2.2. الضواغط الديناميكية (Dynamic Compressors)
على عكس الضواغط موجبة الإزاحة، تعمل الضواغط الديناميكية عن طريق زيادة سرعة الغاز أولاً، ثم تحويل هذه الطاقة الحركية (Kinetic Energy) إلى طاقة ضغط (Pressure Energy). تعتمد هذه العملية على مبادئ ديناميكا الموائع، وهي تشبه في مفهومها عمل المضخات التي تتعامل مع السوائل. هذه الضواغط مناسبة لمعدلات التدفق العالية جدًا والضغوط المتوسطة.
2.2.1. ضواغط الطرد المركزي (Centrifugal Compressors)
تُعد ضواغط الطرد المركزي العمود الفقري لتطبيقات الغاز الطبيعي ذات السعات الكبيرة، مثل خطوط النقل الرئيسية ومحطات إسالة الغاز الطبيعي (LNG).
مبدأ التشغيل:
- يتم سحب الغاز إلى مركز دافع دوار (Impeller) عالي السرعة.
- يقوم الدافع، من خلال ريشه المنحنية، بقذف الغاز نحو الخارج بقوة الطرد المركزي، مما يزيد من سرعته (طاقته الحركية) بشكل كبير ويرفع ضغطه بشكل طفيف.
- يخرج الغاز عالي السرعة من الدافع ويدخل إلى جزء ثابت يسمى الناشر (Diffuser)، حيث يتباطأ تدفق الغاز. وفقًا لمبدأ برنولي، يؤدي هذا التباطؤ إلى تحويل الطاقة الحركية إلى طاقة ضغط، مما يرفع الضغط بشكل كبير.
- بعد الناشر، يتم تجميع الغاز في غلاف حلزوني الشكل (Volute) يوجهه إلى مخرج الضاغط أو إلى المرحلة التالية في الضواغط متعددة المراحل.
يمكن أن تكون ضواغط الطرد المركزي إما ذات غلاف مقسوم أفقيًا (Horizontally Split) للضغوط المنخفضة، أو ذات غلاف أسطواني مقسوم رأسيًا (Vertically Split or Barrel) للضغوط العالية جدًا، مما يوفر متانة أكبر.
مقطع عرضي لضاغط طرد مركزي متعدد المراحل. |
المزايا:
- قدرة على التعامل مع معدلات تدفق هائلة.
- موثوقية تشغيلية عالية جدًا وفترات طويلة بين الصيانة.
- تدفق مستمر وخالٍ من النبضات.
- بصمة مكانية أصغر مقارنة بالضواغط الترددية لنفس السعة.
- تصميم خالٍ من الزيت (Oil-free)، حيث لا يلامس زيت التزييت مسار الغاز.
العيوب:
- نسبة ضغط محدودة لكل مرحلة.
- نطاق تشغيل محدود. فهي حساسة للتغيرات في ظروف التشغيل (التدفق، الضغط، تركيب الغاز) وعرضة لظواهر عدم استقرار ديناميكية مثل التمور (Surge) والاختناق (Choke).
- كفاءة أقل عند الأحمال الجزئية.
- تتطلب سرعات دوران عالية جدًا.
2.2.2. الضواغط المحورية (Axial Compressors)
تعمل الضواغط المحورية عن طريق تمرير الغاز عبر صفوف متعددة من الريش الدوارة (Rotor Blades) والريش الثابتة (Stator Vanes). تزيد الريش الدوارة من سرعة الغاز، بينما تقوم الريش الثابتة بتبطيئه وتوجيهه إلى الصف التالي، محولةً الطاقة الحركية إلى ضغط. يتدفق الغاز بشكل موازٍ لمحور الدوران.
تتميز هذه الضواغط بقدرتها على التعامل مع أعلى معدلات التدفق الممكنة، ولكنها توفر نسبة ضغط منخفضة لكل مرحلة. ونظرًا لتكلفتها العالية وتعقيدها، فإن استخدامها في تطبيقات الغاز الطبيعي المباشرة نادر. ومع ذلك، فهي مكون أساسي في التوربينات الغازية الكبيرة، حيث تقوم بضغط الهواء اللازم لعملية الاحتراق.
2.3. جدول مقارنة بين أنواع الضواغط (Comparison Table of Compressor Types)
الخاصية | الضاغط الترددي (Reciprocating) | الضاغط اللولبي (Rotary Screw) | ضاغط الطرد المركزي (Centrifugal) |
---|---|---|---|
مبدأ العمل | إزاحة موجبة (حجز وتقليل الحجم) | إزاحة موجبة (دوارات متشابكة) | ديناميكي (زيادة السرعة ثم تحويلها لضغط) |
معدل التدفق | منخفض إلى متوسط | منخفض إلى متوسط | مرتفع إلى مرتفع جدًا |
نسبة الضغط لكل مرحلة | عالية جدًا (تصل إلى 6:1 أو أكثر) | منخفضة إلى متوسطة (تصل إلى 4:1) | منخفضة (عادةً أقل من 3:1) |
أقصى ضغط تصريف | مرتفع جدًا (يمكن أن يتجاوز 10,000 psi) | متوسط | مرتفع (تصل الأنواع الأسطوانية إلى ضغوط عالية جدًا) |
الكفاءة | عالية، خاصة عند الأحمال الجزئية | متوسطة | عالية عند نقطة التصميم، وتنخفض بعيدًا عنها |
نوع التدفق | متقطع (يتطلب مخمدات) | مستمر وسلس | مستمر وسلس |
الصيانة | عالية (صمامات، حلقات، أجزاء متحركة) | متوسطة (تغيير زيت، فلاتر) | منخفضة (تعتمد بشكل كبير على المراقبة) |
البصمة المكانية | كبيرة | مدمجة | متوسطة إلى كبيرة (حسب الحجم) |
التطبيقات الشائعة | تجميع الغاز، حقن الغاز، خطوط الأنابيب الصغيرة، التخزين | غاز الوقود، استرداد البخار، تبريد البروبان | خطوط النقل الرئيسية، محطات المعالجة الكبيرة، إسالة الغاز الطبيعي (LNG) |
III. مراحل كبس الغاز الطبيعي والأنظمة المساعدة (Natural Gas Compression Stages and Auxiliary Systems)
إن الضاغط، سواء كان تردديًا أو طردًا مركزيًا، هو قلب نظام الضغط، ولكنه لا يعمل بمعزل عن غيره. لضمان عملية ضغط فعالة وآمنة وموثوقة، يتم تجهيز وحدة الضاغط (Compressor Package) بمجموعة متكاملة من الأنظمة المساعدة التي تدعم تشغيله. يعد فهم هذه الأنظمة وتفاعلها مع عملية الضغط أمرًا ضروريًا لتصميم وتشغيل المنشآت بشكل صحيح.
3.1. الضغط متعدد المراحل (Multi-stage Compression)
عندما تكون نسبة الضغط الإجمالية المطلوبة ($P_{final} / P_{initial}$) عالية، فإن تنفيذها في مرحلة واحدة يصبح غير عملي وغير فعال. وكما رأينا سابقًا، تؤدي نسب الضغط العالية إلى درجات حرارة تصريف مرتفعة للغاية، مما قد يتجاوز الحدود الميكانيكية للمعدات ويستهلك طاقة مفرطة. الحل الهندسي لهذه المشكلة هو تقسيم عملية الضغط إلى مرحلتين أو أكثر، مع تبريد الغاز بين كل مرحلة وأخرى.
أسباب اللجوء إلى الضغط متعدد المراحل:
- التحكم في درجة حرارة التصريف: هذا هو السبب الرئيسي. من خلال تبريد الغاز بين المراحل، يمكن الحفاظ على درجة حرارة التصريف من كل مرحلة ضمن حدود آمنة ومقبولة (عادةً أقل من 150 درجة مئوية).
- تقليل استهلاك الطاقة: يوضح مخطط الضغط-الحجم (P-V) أن الشغل المطلوب لضغط الغاز يتناسب مع المساحة تحت منحنى عملية الضغط. عندما يتم تبريد الغاز، يتقلص حجمه، وبالتالي فإن الشغل المطلوب لضغطه في المرحلة التالية يكون أقل. إن الضغط متعدد المراحل مع التبريد البيني هو محاولة عملية للاقتراب من عملية الضغط متساوية الحرارة (Isothermal)، والتي تمثل الحد الأدنى من الشغل النظري المطلوب.
- تقليل الإجهادات على المكونات: تتعرض مكونات الضاغط لإجهادات ميكانيكية أقل عندما تعمل عند نسب ضغط منخفضة.
- فصل السوائل المتكثفة: يسمح تبريد الغاز بين المراحل بتكثيف الهيدروكربونات الثقيلة وبخار الماء، والتي يمكن بعد ذلك إزالتها في فاصلات (Separators) بين المراحل، مما يحسن جودة الغاز ويحمي المراحل اللاحقة للضاغط.
لتحقيق الحد الأدنى من الشغل الإجمالي، يجب توزيع نسبة الضغط بالتساوي بين المراحل. بالنسبة لضاغط من مرحلتين، يمكن حساب ضغط المرحلة البينية المثالي (Ideal Inter-stage Pressure) لتحقيق أقل استهلاك للطاقة بالمعادلة التالية:
$$ P_{int} = \sqrt{P_s P_d} $$حيث $P_s$ هو ضغط سحب المرحلة الأولى و $P_d$ هو ضغط تصريف المرحلة النهائية. في هذه الحالة المثالية، يكون الشغل المبذول في كل مرحلة متساويًا.
3.2. نظام الدخول والفصل (Inlet and Separation System)
تعتبر حماية الضاغط من السوائل والجسيمات الصلبة أمرًا بالغ الأهمية. السوائل (مثل الهيدروكربونات المتكثفة أو الماء) غير قابلة للانضغاط تقريبًا، ودخولها إلى الضاغط، خاصة النوع الترددي، يمكن أن يسبب ظاهرة تُعرف بـ "الصدمة السائلة" (Liquid Slugging)، والتي تؤدي إلى تلف كارثي وفوري للمكونات الميكانيكية. لذلك، يتم تركيب وعاء فصل، يُعرف بـ "فاصل الدخول" (Inlet Scrubber) أو "وعاء الإسقاط" (Knock-out Drum - KOD)، عند مدخل المرحلة الأولى لكل ضاغط.
وظيفة فاصل الدخول:
- إزالة قطرات السائل الحر من تيار الغاز.
- إزالة الجسيمات الصلبة مثل الصدأ أو قشور الأنابيب.
يعمل الفاصل عادةً باستخدام مجموعة من المبادئ:
- فصل الجاذبية (Gravity Separation): يتم إبطاء سرعة الغاز عند دخوله الوعاء الكبير، مما يسمح للقطرات الأثقل بالسقوط إلى القاع.
- الاصطدام (Impingement): يتم توجيه الغاز للاصطدام بلوح موجه (Inlet Diverter)، مما يساعد على تكتل القطرات الصغيرة وسقوطها.
- استخلاص الرذاذ (Mist Extraction): يمر الغاز في المرحلة النهائية عبر وسادة شبكية (Demister Pad) أو جهاز ريشي (Vane Pack) لاصطياد القطرات الدقيقة المتبقية.
3.3. نظام التبريد البيني (Inter-cooling System)
كما ذكرنا، في أنظمة الضغط متعدد المراحل، يتم تبريد الغاز الساخن الخارج من كل مرحلة قبل دخوله المرحلة التالية. يتم ذلك باستخدام المبادلات الحرارية (Heat Exchangers). النوع الأكثر شيوعًا في تطبيقات الغاز الطبيعي هو المبردات الهوائية (Air-cooled Exchangers)، والمعروفة أيضًا باسم مبردات الزعانف المروحية (Fin-Fan Coolers). تتكون هذه المبردات من حزم من الأنابيب ذات الزعانف التي يمر عبرها الغاز الساخن، بينما تقوم مراوح كبيرة بدفع الهواء المحيط عبر هذه الحزم لتبريدها. في بعض الحالات، خاصة في المنشآت التي يتوفر فيها الماء، يمكن استخدام المبردات المائية (Water-cooled Exchangers). بعد كل مبرد بيني، يتم تركيب فاصل (Inter-stage Scrubber) لإزالة السوائل التي تكثفت أثناء عملية التبريد.
3.4. نظام التبريد اللاحق (After-cooling System)
بعد خروج الغاز من المرحلة النهائية للضغط، يكون عند درجة حرارة عالية. يتم تبريده للمرة الأخيرة باستخدام مبرد لاحق (After-cooler)، وهو مشابه في التصميم للمبردات البينية.
أسباب التبريد اللاحق:
- متطلبات خط الأنابيب: غالبًا ما تكون هناك مواصفات لدرجة حرارة قصوى للغاز الذي يدخل خطوط النقل لحماية الطلاء الداخلي للأنابيب ومنع التمدد الحراري المفرط.
- متطلبات المعالجة اللاحقة: قد تتطلب عمليات المعالجة التالية، مثل التجفيف أو استخلاص سوائل الغاز الطبيعي، أن يكون الغاز عند درجة حرارة منخفضة.
- السلامة: تبريد الغاز يقلل من مخاطر السلامة في المعدات والمواسير النهائية.
3.5. نظام تزييت الضاغط (Compressor Lubrication System)
يلعب زيت التزييت دورًا حيويًا في تقليل الاحتكاك بين الأجزاء المتحركة، وتبديد الحرارة، ومنع التآكل، وفي بعض الحالات، المساعدة في منع التسرب. يختلف نظام التزييت باختلاف نوع الضاغط:
- الضواغط الترددية: تتطلب نظامين منفصلين عادةً:
- نظام تزييت الإطار (Frame Lubrication): يقوم بتزييت الأجزاء المتحركة الرئيسية مثل عمود المرفق والمحامل.
- نظام تزييت الأسطوانة (Cylinder Lubrication): يستخدم مضخة حقن دقيقة لتوصيل كميات صغيرة من الزيت مباشرة إلى جدران الأسطوانة وحلقات المكبس ومانعات التسرب (Packing).
- ضواغط الطرد المركزي: تتطلب نظام تزييت واحد عالي الموثوقية لتزويد المحامل (Bearings) بالزيت بشكل مستمر لتبريدها وتزييتها.
3.6. نظام منع التسرب (Sealing System)
تعتبر أنظمة منع التسرب حاسمة لمنع تسرب الغاز الطبيعي عالي الضغط والقابل للاشتعال إلى الغلاف الجوي.
- في الضواغط الترددية: يتم استخدام مجموعة من حلقات المكبس (Piston Rings) لمنع التسرب عبر المكبس، ومجموعة من حلقات منع التسرب (Packing Rings) حول ذراع المكبس حيث يخرج من الأسطوانة.
- في ضواغط الطرد المركزي: تكون أنظمة منع التسرب أكثر تعقيدًا بسبب السرعات العالية والضغوط. تشمل الأنواع الشائعة:
- موانع التسرب المتاهية (Labyrinth Seals): تستخدم مسارًا متعرجًا لتقليل التسرب، ولكنها لا تمنعه تمامًا.
- موانع التسرب الميكانيكية (Mechanical Seals): تستخدم أسطحًا مصقولة بدقة، واحدة ثابتة والأخرى دوارة، لمنع التسرب. يمكن أن تكون "رطبة" (Wet Seals) باستخدام زيت مانع للتسرب، أو "جافة".
- موانع تسرب الغاز الجاف (Dry Gas Seals - DGS): هي المعيار الصناعي الحديث للتطبيقات الحرجة. تستخدم طبقة رقيقة من الغاز نفسه كحاجز بين الأسطح الدوارة والثابتة، مما يوفر منع تسرب فعالًا للغاية مع احتكاك منخفض وبدون تلوث للغاز بالزيت.
3.7. نظام التحكم والحماية (Control and Protection System)
هذا هو "دماغ" وحدة الضاغط. إنه نظام آلي يراقب باستمرار متغيرات التشغيل ويضبطها للحفاظ على الأداء المطلوب وحماية المعدات من التلف.
أهم وظائف نظام التحكم:
- التحكم في السعة (Capacity Control): ضبط كمية الغاز التي يضخها الضاغط لتلبية الطلب المتغير. تختلف الطرق باختلاف نوع الضاغط وتشمل:
- التحكم في السرعة (Speed Control): الطريقة الأكثر كفاءة، وتستخدم بشكل شائع مع المحركات الكهربائية ذات المحولات متغيرة التردد (VFDs) أو التوربينات الغازية.
- خنق السحب (Suction Throttling): تقليل ضغط السحب لتقليل السعة، ولكنه غير فعال من حيث الطاقة.
- صمامات تفريغ الحمل (Unloaders) / جيوب الخلوص (Clearance Pockets): تستخدم في الضواغط الترددية لتغيير حجم الخلوص الفعال أو إبقاء صمامات السحب مفتوحة، وبالتالي تقليل السعة.
- الريش التوجيهية المتغيرة للمدخل (Variable Inlet Guide Vanes - IGVs): تستخدم في ضواغط الطرد المركزي لتغيير زاوية دخول الغاز إلى الدافع.
- نظام الحماية من التمور (Anti-Surge Control): هذه وظيفة حيوية لضواغط الطرد المركزي. التمور (Surge) هو ظاهرة عدم استقرار ديناميكي تحدث عند انخفاض التدفق، حيث لا يستطيع الضاغط التغلب على ضغط التصريف، مما يؤدي إلى انعكاس لحظي للتدفق. هذا يسبب اهتزازات عنيفة وارتفاعًا في درجة الحرارة ويمكن أن يدمر الضاغط بسرعة. يقوم نظام الحماية من التمور بمراقبة نقطة التشغيل وإذا اقتربت من خط التمور، فإنه يفتح صمامًا لإعادة تدوير جزء من الغاز من جانب التصريف إلى جانب السحب، مما يزيد من التدفق عبر الضاغط ويبعده عن منطقة الخطر.
- نظام الإيقاف الوقائي (Shutdown System): يقوم بإيقاف الضاغط بأمان في حالة حدوث ظروف تشغيل خطيرة، مثل:
- ضغط سحب أو تصريف منخفض/مرتفع للغاية.
- درجة حرارة تصريف مرتفعة.
- مستوى اهتزاز عالٍ.
- ضغط زيت تزييت منخفض.
- مستوى سائل مرتفع في الفاصلات.
IV. تطبيقات عمليات كبس الغاز الطبيعي (Applications of Natural Gas Compression)
تعتبر عملية كبس الغاز الطبيعي جزءًا لا يتجزأ من سلسلة القيمة بأكملها، من رأس البئر إلى المستهلك النهائي. تختلف متطلبات الضغط ونوع الضواغط المستخدمة بشكل كبير اعتمادًا على التطبيق المحدد.
4.1. تجميع الغاز (Gas Gathering)
في حقول الإنتاج، يخرج الغاز من الآبار عند ضغوط منخفضة نسبيًا، والتي تنخفض بمرور الوقت مع استنزاف المكمن. لجمع هذا الغاز من آبار متعددة ونقله إلى محطة عزل الغاز عن النفط أو منشأة معالجة مركزية، يجب رفع ضغطه. تُستخدم الضواغط في هذه المرحلة لتعزيز الضغط المنخفض (Wellhead Compression) أو في محطات تجميع مركزية. نظرًا لطبيعة التدفق المتغيرة والضغوط المنخفضة إلى المتوسطة، فإن الضواغط الترددية واللولبية هي الأكثر شيوعًا في هذا التطبيق.
4.2. النقل عبر خطوط الأنابيب (Pipeline Transmission)
يتم نقل كميات هائلة من الغاز الطبيعي عبر مسافات طويلة جدًا من خلال شبكات خطوط الأنابيب عالية الضغط. أثناء تدفق الغاز، يفقد طاقته تدريجيًا بسبب الاحتكاك مع الجدار الداخلي للأنبوب، مما يؤدي إلى انخفاض الضغط. للتغلب على هذا الانخفاض في الضغط والحفاظ على تدفق الغاز، يتم إنشاء محطات ضغط (Compressor Stations) على فترات منتظمة على طول خط الأنابيب (عادة كل 80 إلى 160 كيلومترًا). هذه المحطات تستقبل الغاز، وتعيد ضغطه إلى الضغط الأقصى المسموح به للخط، ثم ترسله إلى الجزء التالي من الشبكة. نظرًا لمعدلات التدفق الهائلة والتشغيل المستمر، فإن ضواغط الطرد المركزي الكبيرة التي تعمل بالتوربينات الغازية هي الخيار المهيمن في هذا التطبيق.
4.3. التخزين وإعادة الضخ (Storage and Withdrawal)
يختلف الطلب على الغاز الطبيعي بشكل كبير بين الصيف والشتاء. لتلبية الطلب المرتفع في فصل الشتاء، يتم تخزين الغاز خلال فصل الصيف في مرافق تخزين ضخمة تحت الأرض، مثل المكامن المستنفدة أو طبقات المياه الجوفية أو الكهوف الملحية. تتطلب عملية حقن الغاز في هذه المرافق ضغطه إلى ضغوط عالية جدًا للتغلب على ضغط المكمن. وعندما يزداد الطلب، يتم سحب الغاز من التخزين، والذي يكون ضغطه قد انخفض، ويجب إعادة ضغطه مرة أخرى قبل إدخاله إلى شبكة النقل. تستخدم هذه التطبيقات عادةً ضواغط ترددية متعددة المراحل وعالية الضغط بسبب متطلبات الضغط العالي والتدفقات المتغيرة.
4.4. معالجة الغاز (Gas Processing)
يحتوي الغاز الطبيعي الخام القادم من الحقل على شوائب وسوائل قيمة يجب إزالتها قبل أن يلبي مواصفات الجودة للبيع. تُستخدم الضواغط في عدة مراحل داخل مصانع معالجة الغاز. على سبيل المثال، في عمليات استخلاص سوائل الغاز الطبيعي (NGL Recovery) التي تستخدم التبريد، تُستخدم الضواغط كجزء من حلقة التبريد (Refrigeration Loop) لضغط المبردات مثل البروبان. كما يتم استخدامها لرفع ضغط الغاز "المتبقي" (Residue Gas) بعد المعالجة إلى الضغط المطلوب لخط أنابيب البيع.
4.5. حقن الغاز (Gas Injection)
يستخدم ضغط الغاز في تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط (Enhanced Oil Recovery - EOR). يتم ضغط الغاز الطبيعي إلى ضغوط عالية جدًا وحقنه مرة أخرى في مكمن النفط. يؤدي هذا إلى الحفاظ على ضغط المكمن (Pressure Maintenance) أو زيادة قابليته للامتزاج مع النفط، مما يقلل من لزوجته ويسهل تدفقه نحو آبار الإنتاج، وبالتالي زيادة كمية النفط التي يمكن استخلاصها. وبالمثل، في عمليات الرفع بالغاز (Gas Lift)، يتم حقن الغاز في أنبوب الإنتاج لتقليل كثافة عمود السائل، مما يساعد على رفع النفط إلى السطح. تتطلب هذه التطبيقات ضغوطًا من بين الأعلى في الصناعة، وهي المجال الحصري تقريبًا للضواغط الترددية متعددة المراحل.
4.6. إسالة الغاز الطبيعي (Liquefied Natural Gas - LNG)
لنقل الغاز الطبيعي عبر المحيطات، يتم تبريده إلى حوالي -162 درجة مئوية (-260 درجة فهرنهايت) عند الضغط الجوي، مما يحوله إلى سائل (LNG). هذه العملية تقلل من حجمه بأكثر من 600 مرة. إن عملية التبريد هذه هي في الأساس دورة تبريد ضخمة تتطلب ضواغط طرد مركزي هائلة لضغط المبردات (عادةً خليط من الهيدروكربونات مثل البروبان والإيثيلين والميثان). هذه الضواغط هي من بين أكبر الوحدات في العالم، وغالبًا ما يتم تشغيلها بواسطة توربينات غازية صناعية ضخمة.
V. محركات الضواغط (Compressor Drivers)
تتطلب الضواغط مصدرًا للطاقة الميكانيكية لتشغيلها. يُعرف هذا المصدر بالمحرك (Driver). يعتمد اختيار المحرك المناسب على عوامل مثل توفر الطاقة، والتكلفة، والكفاءة، والانبعاثات البيئية، ومتطلبات الصيانة.
5.1. المحركات الكهربائية (Electric Motors)
تُستخدم المحركات الكهربائية على نطاق واسع لتشغيل الضواغط، خاصة في المواقع التي تتوفر فيها شبكة كهربائية موثوقة.
- المزايا: كفاءة عالية (تصل إلى 97%)، انبعاثات صفرية في الموقع، ضوضاء أقل، متطلبات صيانة منخفضة، وتكاليف تشغيل أقل. عند استخدامها مع محولات التردد المتغيرة (VFDs)، فإنها توفر تحكمًا ممتازًا في السرعة، مما يعزز كفاءة الضاغط بشكل كبير.
- العيوب: تتطلب بنية تحتية كهربائية، وقد تكون التكلفة الرأسمالية الأولية أعلى، وتعتمد على موثوقية مصدر الطاقة الخارجي.
5.2. محركات الاحتراق الداخلي (Internal Combustion Engines)
هي محركات ترددية (مشابهة لمحركات السيارات ولكن أكبر بكثير) مصممة للعمل على الغاز الطبيعي كوقود. وهي الخيار الشائع لتشغيل الضواغط الترددية في المواقع النائية أو الحقول حيث لا تتوفر الطاقة الكهربائية.
- المزايا: استقلالية عن شبكة الكهرباء، استخدام جزء من الغاز المضغوط كوقود.
- العيوب: كفاءة أقل من المحركات الكهربائية، انبعاثات (مثل أكاسيد النيتروجين)، متطلبات صيانة أعلى، وضوضاء واهتزازات أكبر.
5.3. التوربينات الغازية (Gas Turbines)
التوربينات الغازية هي الخيار المفضل لتشغيل ضواغط الطرد المركزي الكبيرة في تطبيقات خطوط الأنابيب وإسالة الغاز الطبيعي.
- المزايا: نسبة طاقة إلى وزن عالية جدًا، موثوقية عالية للتشغيل المستمر، يمكنها العمل باستخدام الغاز الطبيعي من خط الأنابيب كوقود.
- العيوب: كفاءتها تنخفض بشكل كبير عند الأحمال الجزئية، وتكلفتها الرأسمالية مرتفعة، وتتطلب صيانة متخصصة.
5.4. التوربينات البخارية (Steam Turbines)
تُستخدم في المنشآت الصناعية الكبيرة مثل المصافي أو محطات المعالجة التي تولد بخارًا عالي الضغط كجزء من عملياتها (على سبيل المثال، من خلال استرداد الحرارة المهدرة). يمكن استخدام هذا البخار لتشغيل التوربينات التي تدير الضواغط.
- المزايا: الاستفادة من الطاقة المهدرة، موثوقية عالية جدًا.
- العيوب: تتطلب نظام بخار معقدًا ومكلفًا.
في الختام، تمثل عملية كبس الغاز الطبيعي تقاطعًا معقدًا بين مبادئ الديناميكا الحرارية، والهندسة الميكانيكية، وأنظمة التحكم المتقدمة. إنها ليست مجرد خطوة في سلسلة الإمداد، بل هي العملية التمكينية التي تطلق العنان لقيمة الغاز الطبيعي، وتحوله من مورد محصور في مكامنه إلى مصدر طاقة عالمي. من الضواغط الترددية القوية في حقول الإنتاج إلى ضواغط الطرد المركزي العملاقة التي تدفع الغاز عبر القارات، يعكس كل مكون وكل نظام مساعد عقودًا من التطور الهندسي. إن فهم المراحل المختلفة، وأنواع الضواغط، والأنظمة المساعدة ليس فقط أساسيًا للمهندسين العاملين في هذا المجال، بل هو أيضًا شهادة على البراعة المطلوبة لتشغيل البنية التحتية للطاقة التي يعتمد عليها عالمنا الحديث.
المصادر (Sources)
- GPSA Engineering Data Book, 14th Edition. Gas Processors Suppliers Association.
- Bloch, H. P. (2016). Compressor Handbook for the Oil, Gas, and Process Industries. Gulf Professional Publishing.
- API Standard 617, Axial and Centrifugal Compressors and Expander-compressors for Petroleum, Chemical and Gas Industry Services. American Petroleum Institute.
- API Standard 618, Reciprocating Compressors for Petroleum, Chemical, and Gas Industry Services. American Petroleum Institute.
- Technical Documentation and White Papers from major manufacturers such as Solar Turbines, Siemens Energy, Baker Hughes, and Ariel Corporation.